بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وإذا كان كذلك فإن لفظ الإدراك يقتضي الرؤية الخاصة لمن يكون في جهة علم أن الآية دلت على أنه كذلك.

وأما ما ذكره عن فضلاء المعتزلة فإنه أورد سؤال أبي الحسين البصري وأتباعه وهو: أن موسى عليه السلام يجوز أن يكون عالما باستحالة الرؤية. وقال في الجواب: قوله: لم لا يجوز أن يقال: إن موسى عليه السلام كان جاهلا باستحالة الرؤية عليه. قلنا لوجوه ثلاثة:

الأول: الإجماع على أن علم الأنبياء بالله وصفاته أتم من علم غيرهم بذلك، فلا يشك أحد أن دعوى الإجماع في ذلك أظهر من دعوى إجماع الصحابة على العمل بالقياس وأخبار [ ص: 429 ] الآحاد، فإذا خصصنا هذه الأصول بالإجماع فلأن يتمسك بالإجماع هاهنا أولى.

الثاني: أن قبل ظهور أبي الحسين لم ينسب أحد من الأئمة موسى عليه السلام إلى الجهل، بل الناس كانوا بين المعترف بصحة الرؤية، وبين المنكر لها متأولين لهذه الرؤية: إما على سؤال رؤية الآية أو على أنه عليه السلام سأل الرؤية لقومه. وإذا كان كذلك كان أبو الحسين مسبوقا بهذا الإجماع فيكون سؤاله مردودا.

الثالث: وهو أن أبا الحسين يدعي العلم الضروري بأن المرئي يجب أن يكون مقابلا للرائي أو لآلة الرؤية، والعلم الضروري حاصل بأن ما كان مقابلا للجسم فهو مختص بجهة وتحيز فهذان العلمان الضروريان إن كانا حاصلين لموسى عليه السلام فيلزم من اعتقاد صحة رؤية الله اعتقاده لكونه جسما متحيزا.

قال: وذلك ما لا يجوز بالاتفاق على الأنبياء عليهم السلام، لأن تجويزه يمنع من العلم بحكمته عند أبي الحسين، وإذا لم يحصل عنده العلمان الضروريان كان ذلك قادحا في كونه عليه الصلاة والسلام عاقلا، وذلك لا يقوله عاقل فضلا عن [ ص: 430 ] المسلم" ا هـ.

التالي السابق


الخدمات العلمية