بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
ومن يقول: يرى لا في جهة، لا يقول: إن بينه وبين الخلق حجابا، ولا يتصور أن يحتجب عن الخلق، ولا أن يكشف الحجاب، وقد صرحوا بذلك كله قالوا: لأن ذلك كله من صفة الجسم المتحيز، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بذلك علم أنه يرى في الجهة، وليست الرؤية التي أخبر بها ما يزعمونه من الأمر الذي لا يعقل ينافقون فيه أهل الإيمان وعن شعبة بن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن حدس [ ص: 441 ] عن أبي رزين قال: قلت: يا رسول الله أنرى ربنا يوم القيامة؟ قال: نعم، قال: وما آية ذلك في خلقه؟ قال: أليس كلكم ينظر إلى القمر ليلة البدر، وإنما هو خلق من خلق الله، الله أعظم وأجل" وفي رواية حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع ابن حدس عن عمه أبي رزين قال: قلت: يا رسول الله، كلنا نرى الله يوم القيامة؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال: يا أبا رزين، أليس كلكم يرى القمر مخليا؟ قلت: بلى، قال: والله أعظم، وذلك آيته في خلقه". رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، ولفظ أبي داود: قلت: يا رسول الله، كلنا يرى ربه؟" وفي رواية له: " مخليا به يوم القيامة، وما آية ذلك في خلقه؟ قال: يا أبا رزين، "أليس كلكم يرى القمر؟" وفي رواية له: " ليلة البدر مخليا به" قلت: بلى، قال: والله أعظم، قال الخلال: سمعت أبا [ ص: 442 ] سعيد المصيصي الفقيه قال: قال أبو صفوان: رأيت [ ص: 443 ] المتوكل في النوم، وبين يديه نار مؤججة عظيمة فقلت: يا أمير المؤمنين! لمن هذه النار؟ فقال: هذه لابني المنتصر، لأنه قتلني، وتدري لم قتلني؟ لأني حدثته أن الله يرى في الآخرة.

قال أبو سعيد: فقال إبراهيم الحربي: هذه رؤيا حق. وذلك أن المتوكل كتب حديث حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع ابن حدس بيده عن عبد الأعلى، وقال: لا أكتبه إلا بيدي.

فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يرى يوم القيامة لما سأله، وسأله عن آية ذلك في خلقه، والآية العلامة والدلالة وهو ما يعلم به ويدل على جواز ذلك، فذكر له النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل بطريق القياس [ ص: 444 ] التنبيه والأولى. وقد قدمنا غير مرة أن مثل هذا القياس في قياس الغائب على الشاهد هو مما ورد في الكتاب والسنة فقال: " أليس كلكم يرى القمر مخليا به ليلة البدر؟" قال: " فالله أعظم وأجل" وقال: " إنما هو خلق من خلق الله"، " وذلك آيته في خلقه".

وإثباته صلى الله عليه وسلم جواز الرؤية لجميع الخلق في وقت واحد وكل منهم يكون مخليا به بالقياس على رؤية القمر مع قوله: " والله أعظم وأجل" دليل واضح على أن الناس يرونه مواجهة عيانا، يكون بجهة منهم، وأنه إذا أمكن في بعض مخلوقاته أنه يراه الناس في وقت واحد كلهم يكون مخليا به، فالله أولى أن يمكن ذلك فيه، فإنه أعظم وأجل.

التالي السابق


الخدمات العلمية