بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
ثم قال الرازي: "والجواب عما تمسكوا به خامسا من أن الفوق أشرف الجهات فيجب أن يكون الباري مختصا به إذ من يقول الأرض كرية يقول إن جهات الفلك كلها فوق [ ص: 318 ] لأنه لو كان بعض الحيوان تحت أرجلنا ورأسه مسامتا لأخمصنا إذا كان قائما لكان الفوق عنده ما سامت رأسه / وإذا كانت الجهات كلها فوق فكيف قلتم إنه يجب حصوله تعالى في بعضها؛ لأنه أشرف مما عداه، ولأنا لو تصورنا أنفسنا إذا ضممنا رؤوسنا إلى جهة الأرض وكانت الأنوار في هذه الجهة، وجهة فوق مظلمة لتصورنا أن الأرض هي الشريفة، ولأنه لا حيز إلا ويفرض فوقه حيز آخر فإذا لا حيز إلا بالقياس إلى ما فوقه أسفل، فوجب أن لا يحصل في شيء من الجهات". والكلام على هذا من وجوه:

الأول: أن قولـ [ـه] "من يقول إن الأرض كرية يقول إن جهات الفلك كلها فوق، يشعر أن الفلك جهات متعددة عند من يقول ذلك، وليس الأمر كذلك باتفاق علماء المسلمين الذين يقولون الفلك مستدير، وباتفاق علماء الهيئة الذين يقولون [ ص: 319 ] بكرية الأرض واستدارة الفلك، فإن العلو عندهم جهة واحدة لا جهات متعددة، وليس للعالم عندهم إلا جهتان: جهة السفل وهو المركز في جوف الأرض وأسفلها، وجهة العلو وهي جهة السماء، وهي جهة المحيط، فقوله: جهات الفلك كلها فوق، كلام لا حقيقة له. فإذا لا جهة للفلك إلا جهة واحدة، وهي جهة فوق، فلا جهات هنالك عند هؤلاء.

التالي السابق


الخدمات العلمية