صفحة جزء
فصل

قد عرف . . . [ ص: 101 ]

فصل

المشهور عند أهل السنة القائلين بعدم تخليد الفاسق ورجاء الشفاعة له والرحمة : أنه لا يحبط العمل إلا الكفر ؛ فإن نصوص القرآن تقتضي حبوط العمل بالكفر في مثل البقرة والمائدة والأنعام والزمر وق وغير ذلك . وهذا لأن ما سوى الكفر من المعاصي يثبت معه أصل الإيمان ، ولا بد أن يخرج من النار من كان في قلبه ذرة من إيمان . وأما الكفر فينتفي معه الإيمان الذي لا يقبل العمل إلا به ، كما قال : ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن [النساء :124] ، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن [الإسراء :19] ، إلى نصوص متعددة يصف فيها بطلان عمل الكافر وتحريم الجنة عليه .

وأما المعتزلة فإنهم يقولون بتخليد الفاسق الملي ، وأنه لا ينعم أبدا ، وأن من استحق العقاب لا يستحق ثوابا بحال ، ومن استحق الثواب لا يستحق العقاب ؛ فالتزموا لذلك أن تحبط جميع الأعمال الصالحة بالفسق ، كما تحبط الأعمال بالكفر . ثم أكثرهم يفسقون بالكبيرة ، فيقولون : تحبط الأعمال بالكبيرة ، ومنهم من لا يفسق إلا برجحان السيئات ، وهي التي تحبط الأعمال . وهذا أقرب .

قلت : الذي ينفى من الإحباط على أصول أهل السنة هو حبوط جميع الأعمال ؛ فإنه لا يحبط جميعها إلا بالكفر . وأما الفسق فلا يحبط [ ص: 102 ] جميعها ، سواء فسر بالكبيرة أو برجحان السيئات ؛ لأنه لا بد أن يثاب على إيمانه فلم يحبط .

وأما حبوط بعضها وبطلانه إما بما يفسده بعد فراغه ، وإما بسيئات يقوم عقابها بثوابه ، فهذا حق دل عليه الكتاب والسنة ، كقوله : لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى [البقرة :264] ، فأخبر أن المن والأذى يبطل الصدقة ، كما أن الرياء المقترن بها يبطلها ، وإن كان كل منهما لا يبطل الإيمان ، بل يبطله ورود الكفر عليه أو اقتران النفاق به .

وقوله في الحديث الصحيح : «إن الذي تفوته صلاة العصر فقد حبط عمله » . وقول . . . . . . . . . . : «الحسد يأكل الحسنات كما يأكل الماء البقل » . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من كانت عنده لأخيه مظلمة في عرض أو مال فليأته ، فليستحل منه قبل أن يأتي يوم ليس فيه درهم ولا دينار ، وإنما فيه الحسنات والسيئات » . وقوله : «ما تعدون المفلس [ ص: 103 ] فيكم ؟ » ، قالوا : المفلس من ليس له درهم ولا دينار . قال : «ليس ذلك بالمفلس ، وإنما المفلس الذي يأتي بحسنات أمثال الجبال ، قد أخذ مال هذا ، وأخذ عرض هذا ، فيأخذ هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإذا لم يبق له حسنة أخذ من سيئاتهم ، فألقي في النار » . [ ص: 104 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية