صفحة جزء
ومما ينبغي أن يعرف أن نفس علم التأويل ليس عاما في الدنيا والآخرة ، فإنه ما من شيء أخبرنا به في القرآن إلا ولا بد [أن] نعلمه . فقوله : وما يعلم تأويله إلا الله إذا وقف هنا لا يراد به : لا نعلمه مطلقا ؛ لأن الناس لا بد أن يعلموه في الآخرة ، حتى أن يروا ربهم في الدار الآخرة ، وهذا أكمل طرق العلم . [ ص: 157 ]

وأيضا فالملائكة تعلم من أحوال أنفسها وما وكلت من أمر الجنة والنار وغير ذلك ما هو من الأمور المخبر بها مما هو من تأويله كذلك ، فصار علم تأويله حاصلا لبعض الأصناف وفي بعض الأزمنة . . . . . . . لا يعلم به ، وهذا يقوي أن للمخلوق شيئا من علم تأويله في الجملة ، وإن عدم علم بعضهم أو العلم في بعض الأوقات فلا ينفيه مطلقا .

وأيضا فإن الله ذم متبعي المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، فالذم حصل بهذين الوصفين ، ولو كان علم التأويل مما قد أيس منه الخلق كلهم لكان طالبه مذموما وإن لم يبتغ الفتنة ، وكان في قلبه زيغ أو لم يكن . والذم إذا وقع على من يتبعه يبتغي هذا ويبتغي هذا ، ولا ريب أن هذا مذموم ، وذمه في ابتغاء تأويله لكونه متعذرا من غير جهة الراسخين في العلم ، وقد لا يجد الراسخين أو لا يكون منهم فلا يرى علمه .

وأيضا فهم يتبعون المتشابه أي يتحرونه ، كما في الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : «إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذريهم » . وهذا صبيغ بن عسل الذي ضربه عمر ونفاه وأمر بهجره حتى مات بعد حول . وقد روي أنه سأل عن [ ص: 158 ] الذاريات ونحوها . وهذا قوي إذا جعل المتشابه من الأمور النسبية ، أو قد يتشابه على هذا ما لا يتشابه على غيره . وكلام الإمام أحمد في الرد على من تأول المتشابه على غير تأويله يوافق هذا ، فإن الآيات المذكورة إنما تشابهت على بعض الناس ، ولما تبين وجهها زال التشابه ، ومن فسر فقوله لآية بأنه من المتشابه قوبل هذا بأن القرآن كله محكم ، كما قال : أحكمت آياته ثم فصلت [هود :1] ، وهنا قد وصف بالإحكام بعضه ، كما أنه قد وصف كله بأنه متشابه ، وهنا وصف بالمتشابه بعضه ، فعلم أن لفظ المتشابه فيه نوع اشتراك وإجمال ، وكذلك لفظ الإحكام ، وقد قال في الآية الأخرى : فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته .

التالي السابق


الخدمات العلمية