صفحة جزء
والخطبة تعم خطب الجمع التي هي أعياد أهل الإسلام الأسبوعية ، وتعم خطب الأعياد الحـ[ولية] كعيد الفطر والأضحى ، وخطب الحج ، والخطب العارضة ، مقرونة بالصلاة كخطبة الاستسقاء ، أو مفردة عن الصلاة كخطب الأئمة والعلماء وذوي الحاجات في مخاطبة بعضهم بعضا في أمور الدين والدنيا ، كما قال ابن مسعود في الحديث الذي رواه أبو داود عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا [تشهد] قال : [ ص: 166 ]

«الحمد لله ، نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا
» .

وروى أحمد وأهل السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة : «الحمد لله ، نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني محمدا عبده ورسوله » ويقرأ ثلاث آيات اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [آل عمران :102] .

وهذه خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يخطب بها في الجمعة ، وخطب بها لما جاءه المتطبب ضماد الأزدي ، فروى مسلم في صحيحه عن ابن عباس أن ضمادا قدم مكة وكان من أزد شنوءة ، وكان يرقي من هذه الريح ، فسمع سفهاء [من أهل] مكة يقولون : إن محمدا مجنون ، فقال : لو أني رأيت هذا [الرجل] لعل الله يشفيه على [ ص: 167 ] يدي ، قال : فلقيه وقال : يا محمد ، إني أرقي من هذه [الريح ، وإن الله يشفي على يدي من شاء ، فهل لك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد » . فقال : أعد علي كلماتك هؤلاء ، فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم [ثلاث مرات ، قال : فقال : لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء ، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ، ولقد بلغن ناعوس البحر . قال : فقال : هات يدك أبايعك على الإسلام . قال : فبايعه] ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وعلى قومك » ، قال : وعلى قومي ، قال : فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فمروا بقومه ، فقال صاحب السرية للجيش : هل أصبتم من هؤلاء شيئا ؟ فقال رجل من القوم : أصبت منهم مطهرة . فقال : ردوها ، فإن هؤلاء قوم ضماد .

ولهذا رجحت أن الشهادة ركن في الخطب الواجبة ، كما دلت عليه هذه النصوص وغيرها ، ومن العلماء من أصحابنا وغيرهم من يقول : الواجب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من خير بين التشهد والصلاة . وكلا القولين ضعيف ، فإن النصوص المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا تبين وجوب اشتمال الخطبة على الشهادتين ، وأن الاكتفاء عن ذلك بمجرد الصلاة عليه لا يجزئ .

التالي السابق


الخدمات العلمية