صفحة جزء
وأيضا فإن الأذكار الواجبة كالأذان والتحية يجب اشتمالها على الشهادتين ، ولو عوض عن ذلك بالصلاة عليه لم يجز ، فكذلك هذا [ ص: 168 ] الذكر .

وأيضا فإن الشهادتين أصل الإيمان وفرعه ، وأول واجبات الدين وأعظمها ، وأما الصلاة عليه فمن فروع الشريعة التي هي زيادة في حقه ، فكيف يجزئ الاقتصار على هذا الفرع أو يكون هو الواجب في أمر الرسول دون الأصل الذي لا يتم الإيمان إلا به . . . . . . . ؟ ولو صلى الرجل عليه ولم يشهد له بالرسالة لم يكن مؤمنا ، ولو شهد له بالرسالة [ولم يصل عليه كان] مؤمنا .

وأيضا فالصلاة عليه من جنس الدعاء والأعمال ، لا من جنس العقائد والأصول الخبرية ، ولهذا كان شرعها مقرونا بالدعاء ، كما في الصلاة عليه أمام الدعاء في الصلاة وفي صلاة الجنازة ونحو ذلك . فأما أصول الكلام وقواعد الخطاب فإنما تشرع معها الشهادتان التي هي الفارقة بين أهل الإيمان وأهل الكفر ، وأهل الجنة وأهل النار ، وبين السعداء والأشقياء .

ثم هل تجب الصلاة عليه في الخطبة كما تجب في الصلاة عند من يقول بذلك ؟ هذا محل اجتهاد ، فيحتمل أن يقال به قياسا على الصلاة ، ويحتمل أن لا يقال به قياسا على الأذان . مع أن الخطب المنقولة عنه لم تشتمل إلا على الشهادتين ، وكذلك الخطبة التي علمها لأصحابه خطبة ابن مسعود ، وكذلك قوله : «كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء » . [ ص: 169 ]

وهذا القول أقوى إن شاء الله ، فإن الخطبة هي مخاطبة الخطيب للمخطوبين ، ومقام المخاطبة للخلق لا يجب فيه الدعاء ، وإنما يجب الدعاء في مقام مخاطبة الخالق ومناجاته ، ولهذا شرعت الصلاة عليه في الصلاة دون الأذان . نعم إذا دعا الخطيب في خطبته فينبغي له أن يقرن دعاءه بالصلاة عليه ، كما قيل بمثل ذلك في الجنازة ، فتكون الصلاة عليه واجبة مع الدعاء لا دونه .

ولم يحضرني الساعة أثر فيه اقتران الحمد بالصلاة عليه فقط إلا في كتب المراسلات التي هي مأثورة عن الإمام أحمد وغيره ، ففيها : «من فلان إلى فلان ، فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، وهو للحمد أهل وهو على كل شيء قدير ، ونسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما » .

. . . . . . ففي هذه الرسائل ذكر الحمد لله والصلاة على رسول الله . . . . . . وشهادة [أن لا إله إلا الله وأن] محمدا عبده ورسوله ، . . . . للشهادة بالرسالة ، ويوافقه الحديث المرفوع في السنن : «ما اجتمع قوم مجلسا ثم تفرقوا عنه ، ولم يذكروا الله فيه ، ولم يصلوا على نبيهم ، [ ص: 170 ] إلا كان عليهم ترة » ففيه الجمع بين ذكر الله والصلاة على رسوله .

كما جاء في الحديث العمري موقوفا ومرفوعا وعن علي ، ولفظه : «الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك » . ولو قيل مثل ذلك في الصلاة المكتوبة لكان حسنا ، الحديث المأثور يؤيد ذلك .

وأصل هذا أن مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما أنه لا بد في الخطبة من ذكر الله وذكر رسوله ، ثم تكلموا في معنى ذكر الرسول بما فصلته . وكذلك يقال في ذكر الله أنه معنى الحمد لله ، لما رواه أبو داود في السنن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «كل كلام لا يبدأ فيه [ ص: 171 ] بحمد الله فهو أجذم » . ورواه أحمد وغيره ، وفي رواية : «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم » . وكذلك خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنقولة عنه مفتتحة بحمد الله ، كما افتتح الله كتابه بذلك ، وجعل ذلك فاتحة الكتاب التي هي السبع المثاني .

التالي السابق


الخدمات العلمية