صفحة جزء
فصل

والشهادة المذكورة هي أول الواجبات في دين الإسلام ، كما دلت عليه السنن المتواترة ، وكما أجمع المسلمون على أن من قال ذلك صار مسلما ، وإذا . . . . . . . بقلبه صار مؤمنا ، وأنه بدون ذلك لا يقبل منه عمل ، وأنه . . . . . . إلى ذلك ، وعليه يقاتلون .

وهذا الأمر المتواتر المعـ[روف] من دين المسلمين الذي أجمعوا عليه خلفا بعد سلف يبين لك خطأ من أوجب قبل ذلك شيئا غيره من المتكلمة ، سواء سموا ذلك النظر أو القصد إليه أو الشك أو معرفة الله ، إلى غير ذلك من المقالات المبتدعة ، بل الأمر هو ما عليه الفقهاء وأهل المعرفة وعلماء الحديث وعوام المسلمين ، وهو الذي توارثوه عن نبيهم الذي تلقي الوجوب من جهته توارثا معلوما بالاضطرار ، وذلك [ ص: 172 ] عندهم أظهر وأشهر من جميع الأمور الموروثة عنه .

وإنما نشأ هذا الغلط من المعتزلة الذين أحدثوا الكلام الباطل في الدين ، وبنوا ذلك على أن العقل بمجرده يوجب ، وأنه يوجب معرفة الله المنعم أولا ، وأنه لا طريق إلى ذلك إلا النظر ، فقالوا بوجوبه ، وقد بسطت القول في هذه المسألة في غير هذا الموضع ، وبينت أن المعرفة المجملة داخلة في أول الواجبات ، لا أنها بنفسها وحدها وجبت ، وأنها وحدها لا بقيد .

والشهادة وإن كانت هي أول الواجبات فهي أفضل العبادات ، وأرفع العلوم والمعارف ، وأجل القرب والطاعات ، وهي قوت المؤمن في كل وقت وحال ، وهي للإيمان كالنية للعبادات ، وإن اكتفي باستصحاب حكمها فاستصحاب ذكرها هو الأصل ، ويجب أن يستصحب ذكره في المواطن التي يستزل الشيطان الناس عن حقيقتها ، إما بتأله غير الله أو إخراج الرسول عن حقيقة الرسالة ، ومزاحمة غيره له ، من ملك أو أمير أو عالم أو شيخ أو إمام أو صاحب ، فإن هذا يقع فيه خلائق لا يحصون ممن مضى ومن غبر ، وهو يخرج عن حقيقة الإيمان وإن كان قد لا يخرج عن أصله .

التالي السابق


الخدمات العلمية