صفحة جزء
[ ص: 351 ] فتوى في الطلاق الثلاث بكلمة واحدة [ ص: 352 ] [ ص: 353 ] سئل شيخ الإسلام علامة الزمان تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية الحراني - قدس الله روحه ونور ضريحه - عن رجل طلق امرأته ثلاثا بكلمة واحدة، فهل يقع به واحدة أم ثلاث؟.

فأجاب:

أما جمع الطلقات الثلاث فمحرم عند أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه واختيار أكثر أصحابه، وقال: تدبرت القرآن فإذا كل طلاق فيه فهو الطلاق الرجعي - يعني طلاق المدخول بها - غير قوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره .

وعلى هذا القول فهل له أن يطلقها الثانية والثالثة قبل الرجعة، بأن يفرق الطلاق على ثلاثة أطهار، فيطلقها في كل طهر طلقة؟ فيه قولان، هما روايتان عن أحمد:

إحداهما: له ذلك، وهو قول طائفة من السلف ومذهب أبي حنيفة.

والثانية: ليس له ذلك، وهو قول أكثر السلف، وهو مذهب مالك، وأصح الروايتين عن أحمد التي اختارها أكثر أصحابه، كأبي بكر عبد العزيز والقاضي أبي يعلى وأصحابه.

والقول الثاني: إن جمع الثلاث ليس بمحرم، بل هو ترك الأفضل، وهو مذهب الشافعي، والرواية الأخرى عن أحمد، واختارها الخرقي.

واحتجوا بأن فاطمة بنت قيس طلقها زوجها أبو حفص بن المغيرة [ ص: 354 ] ثلاثا، وبأن امرأة رفاعة طلقها زوجها ثلاثا، وبأن الملاعن طلق امرأته ثلاثا ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك .

وأجاب الأكثرون بأن حديث فاطمة فيه أنه طلقها ثلاثا متفرقات، هكذا ثبت في الصحيح أن الثالثة كانت آخر ثلاث تطليقات، لم يطلق ثلاثا لا هذا ولا هذا. وقول الصحابي "طلق ثلاثا" يتناول ما إذا طلقها ثلاثا متفرقات، بأن يطلقها ثم يراجعها ثم يطلقها. وهذا طلاق سني واقع باتفاق الأئمة، وهو المشهور على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في معنى الطلاق ثلاثا. وأما جمع الثلاث بكلمة فهذا كان منكرا عندهم، إنما يقع قليلا، فلا يجوز حمل اللفظ المطلق على القليل المنكر دون الكثير المحق، ولا يجوز أن يقال طلق ثلاثا مجتمعات لا هذا ولا هذا، بل هذا قول بلا دليل، بل بخلاف الدليل.

التالي السابق


الخدمات العلمية