صفحة جزء
[ ص: 3 ] فصل

في «الكلام» الذي ذمه الأئمة والسلف [ ص: 4 ] وقال شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني أيضا رضي الله عنه، ومن خطه المبارك نقل الإمام شمس الدين محمد ابن المحب رحمه الله تعالى، ومنه نقلت:

فصل

«الكلام» الذي ذمه ونهى عنه الأئمة والسلف الصالح، كما هو مشهور متواتر عنهم في كتب السنة والحديث والتصوف وكلام الفقهاء وغيرهم، وقد جمع فيه شيخ الإسلام الأنصاري كتابه المشهور، ولمالك والشافعي والإمام أحمد وغيرهم في ذلك نصوص مشهورة قد حصل فيه اضطراب; فإن من الناس من يعتقد أنهم نهوا عن جنس الاستدلال والمجادلة في أصول الدين، ثم تحزبوا حزبين، بل ثلاثة:

* حزب رأوا ذلك عجزا وتفريطا، وإضاعة لواجب الدين أو مستحبه، بل إضاعة لأصوله التي لا يتم إلا بها; فطعنوا في السلف ومن اتبعهم، ورأوا لنفوسهم الفضل عليهم، مع ما هم فيه من الابتداع والضلال المشتمل على الجهل أو الظلم.

وهذه طريقة كثير من أهل الكلام المتفلسفة، لا سيما المتكلمون الذين لا يعظمون أهل الفقه والحديث، مثل كثير من المعتزلة والمتفلسفة; فإن لهم في هذا الضلال مجالا رحبا.

* وحزب رأوا أن ما فهموه من كلام الأئمة والسلف هو الصواب، لما علموه من فضلهم; فأعرضوا عن جنس النظر والاستدلال في ذلك، وعن [ ص: 6 ] جنس المحاجة والمجادلة، ورأوا ذلك هو السلامة والورع والاتباع، فوقعوا في التفريط في جنب الله، وإضاعة بعض العلم بدين الله وبعض الكلام فيه، ولزم من ذلك استيلاء أهل التحريف والإلحاد عليهم وعلى المسلمين، فوقعوا هم في الجهل البسيط، ووقع أولئك ومن اتبعهم في الجهل المركب.

وكان من سبب ذلك أنهم فهموا من كلام السلف أعم مما أرادوه، كما قررت نظير ذلك في «قاعدة السنة والبدعة».

وقد يؤول بهم الأمر إلى الإعراض عن آيات الله تعالى، وترك اتباع هدى الله، فإما أن يعرضوا عن ألفاظ النصوص فلا يقولونها ولا يسمعونها، وإما أن يكتفوا بمجرد قول اللفظ وسماعه من غير تدبر له ولا فقه فيه، ويرون أن عدم معرفة معاني الكتاب والسنة هي الطريقة التي سلكها السلف وأمروا بها وعنوها في مواضع.

* وحزب ثالث اعتقدوا فضل الأئمة والسلف، واعتقدوا الحاجة والانتفاع والاستحسان لما خاضوا فيه من الكلام في أصول الدين; فقالوا: الذي نهى عنه السلف رضي الله عنهم هو الكلام الذي انتحله أهل البدع من [ ص: 7 ] المعتزلة ونحوهم ممن يخالف السنة، لا الكلام الذي تنصر به السنة. وهذه طريقة البيهقي.

أو قالوا: الكلام ينهى عنه في غير وقت الحاجة، ومع من يفسده الكلام، ويؤمر به وقت الحاجة، ومع من ينفعه الكلام. وهذه الطريقة قد يشير إليها ابن بطة، والقاضي، والغزالي، وآخرون.

التالي السابق


الخدمات العلمية