صفحة جزء
ولما بين سبحانه أنه يريد أن يذهب الرجس عن أهل بيته ويطهرهم تطهيرا، دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لأقرب أهل بيته وأعظمهم اختصاصا به، وهم: علي وفاطمة -رضي الله عنهما- وسيدا شباب أهل الجنة، جمع الله لهم بين أن قضى لهم بالتطهير، وبين أن قضى لهم بكمال دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان في ذلك ما دلنا على أن إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم نعمة من الله ليسبغها عليهم، ورحمة من الله وفضل لم [ ص: 76 ] يبلغوهما لمجرد حولهم وقوتهم، إذ لو كان كذلك لاستغنوا بهما عن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما يظن من يظن أنه قد استغنى في هدايته وطاعته عن إعانة الله تعالى له وهدايته إياه.

وقد ثبت أيضا بالنقل الصحيح أن هذه الآيات لما نزلت قرأها النبي - صلى الله عليه وسلم - على أزواجه، وخيرهن كما أمره الله، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، ولذلك أقرهن ولم يطلقهن حتى مات عنهن. ولو أردن الحياة الدنيا وزينتها لكان يمتعهن ويسرحهن كما أمره الله سبحانه وتعالى، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أخشى الأمة لربه وأعلمهم بحدوده.

ولأجل ما دلت عليه هذه الآيات من مضاعفة للأجور ورفع الوزر بلغنا عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين وقرة عين الإسلام أنه قال: إني لأرجو أن يعطي الله للمحسن منا أجرين، وأخاف أن يجعل على المسيء منا وزرين.

وثبت في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنه قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغدير يدعى "خم" بين مكة والمدينة، فقال: "وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي". قيل لزيد بن أرقم: ومن أهل بيته؟ قال: الذين حرموا الصدقة: آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل عباس. قيل لزيد: أكل هؤلاء أهل بيته؟ قال: نعم.

وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه صحاح أن الله لما أنزل عليه [ ص: 77 ] إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما سأل الصحابة كيف يصلون عليه، فقال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد".

وفي حديث صحيح : "اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته". وثبت عنه أن ابنه الحسن لما تناول تمرة من تمر الصدقة قال له: "كخ كخ، أما علمت أنا -آل بيت- لا تحل لنا الصدقة؟ " وقال : "إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد".

التالي السابق


الخدمات العلمية