صفحة جزء
أما ورقة الأنساب والتواريخ ففيها غلط في مواضع متعددة، مثل ذكره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي في صفر، وأنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن عمرو بن العلاء بن هاشم، وأن جعفر الصادق توفي في خلافة الرشيد، وغير ذلك.

فإنه لا خلاف بين أهل العلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي في شهر ربيع الأول شهر مولده وشهر هجرته، وأنه توفي يوم الاثنين، وفيه ولد وفيه أنزل عليه. وجده هاشم بن عبد مناف، وإنما كان هاشم يسمى عمرا، ويقال له عمرو العلا، كما قال الشاعر :


عمرو العلا هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف



وأن جعفرا أبا عبد الله توفي في سنة ثمان وأربعين في إمارة أبي جعفر المنصور.

وأما المنتظر فقد ذكر طائفة من أهل العلم بأنساب أهل البيت أن الحسن بن علي العسكري لما توفي بعسكر سامراء لم يعقب ولم ينسل، وقال من أثبته: إن أباه لما توفي سنة ستين ومئتين كان عمره سنتين أو أكثر من ذلك بقليل، وأنه غاب من ذلك الوقت، وأنه من ذلك الوقت حجة الله على أهل الأرض، لا يتم الإيمان إلا به، وأنه هو المهدي الذي أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه يعلم كل ما يفتقر إليه في الدين.

وهذا موضع ينبغي للمسلم أن يتثبت فيه ويستهدي الله ويستعينه، فإن الله قد حرم القول بغير علم، وذكر أن ذلك من خطوات الشيطان، [ ص: 98 ] وحرم القول المخالف للحق، ونصوص التنزيل شاهدة بذلك، ونهى عن اتباع الهوى.

فأما المهدي الذي بشر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد رواه أهل العلم العالمون بأخبار النبي - صلى الله عليه وسلم -، الحافظون لها، الباحثون عنها وعن رواتها، مثل أبي داود والترمذي وغيرهما. ورواه الإمام أحمد في "مسنده" .

فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم، حتى يبعث الله فيه رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا" .

وروي هذا المعنى من حديث أم سلمة وغيرها .

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "المهدي من ولد ابني هذا"، وأشار إلى الحسن . [ ص: 99 ]

وقال - صلى الله عليه وسلم -: "يكون في آخر الزمان خليفة يحثو المال حثوا" ، وهو حديث صحيح.

فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن اسمه "محمد بن عبد الله" ليس "محمد بن الحسن". ومن قال: إن أبا جده "الحسين"، وإن كنية الحسين "أبو عبد الله"، فقد جعل الكنية اسمه، فما يخفى على من يخشى الله أن هذا تحريف الكلم عن مواضعه، وأنه من جنس تأويلات القرامطة.

وقول أمير المؤمنين صريح في أنه حسني لا حسيني، لأن الحسن والحسين مشبهان من بعض الوجوه بإسماعيل وإسحاق، وإن لم يكونا نبيين، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لهما: "أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة" ، ويقول: "إن إبراهيم كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق" . وكان إسماعيل هو الأكبر والأحلم، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب على المنبر والحسن معه على المنبر: "إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" .

فكما أن غالب الأنبياء كانوا من ذرية إسحاق، فهكذا كان غالب السادة الأئمة من ذرية الحسين، وكما أن خاتم الأنبياء الذي طبق أمره مشارق الأرض ومغاربها كان من ذرية إسماعيل، فكذلك الخليفة الراشد المهدي الذي هو آخر الخلفاء يكون من ذرية الحسن.

التالي السابق


الخدمات العلمية