صفحة جزء
فصل

والواجب على المشايخ أن يأمروا أتباعهم بطاعة الله ورسوله، فيفعلوا ما أمر الله ورسوله به، ويتركوا ما نهى الله ورسوله عنه، ويتبعوا كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن المقصود بذلك دعوتهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له وطاعة رسوله. والشيوخ يبلغون عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما أمر به أمته من الدين الذي أمر الله به، ويتبعون لخلفائه الراشدين، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها [ ص: 152 ] وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة" .

والوصية الجامعة من وصية الله التي وصى بها عباده حيث قال. ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله . ولما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذا إلى اليمن وصاه ثلاث وصايا، فقال: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" .

وأما كتابة الإجازات فهي بمنزلة الشهادة للرجل أنه أهل المشيخة، وبمنزلة أمر الناس بمتابعته وطاعته، وليس لأحد أن يفعل هذا إلا أن يكون عالما بمن يصلح للقدوة والاتباع، ومن لا يصلح أن يكون عدلا فيما يقوله ويأمر به. فمن كان جاهلا بطريق الله الذي بعث به رسوله، أو كان صاحب غرض يكتب الإجازة لمن يعطيه مالا ويخدمه، إن لم يكن مستحقا لذلك لم يكن لمثل هذا أن يكتب إجازة، ولا حرمة لمن كتب له مثل هذا إجازة، لاسيما إذا كان مضمون الإجازة أن يعطوه أموالهم. فهذه إجازة الشحاذين والسوال، [ ص: 153 ] وليس هذا من حكم طريق الله.

ومن قبض أموال الناس على أن يعطيها مستحقها فلا بد أن يكون هذا عالما بالمستحقين عدلا يعطي المال لمستحقيه. وأما إذا أخذ أموال الناس يطعم بها من يعاونه على أغراضه، ويأمر بغير ما أمر الله به، وينهى عن شرع الله ودينه، فهذا من الآكلين أموال الناس بالباطل والصادين عن سبيل الله. قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله .

وإنما الشيوخ الذين يستحقون أن يكونوا قدوة متبعين هم الذين يدعون الناس إلى طريق الله، وهو شرع الله ودينه الذي بعث به رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ويصرفون الأموال في مصارفها الشرعية التي يحبها الله ورسوله، فيكونون داعين إلى الله منفقين الأموال في سبيل الله.

وكل من أظهر هذه الإشارات البدعية التي هي فشارات، مثل إشارة الدم واللاذن والسكر وماء الورد والحية والنار، فهم أهل باطل وضلال وكذب ومحال، مستحقون التعزير البليغ والنكال، وهم إما صاحب حال شيطاني، وإما صاحب حال بهتاني، فهؤلاء جمهورهم، وأولئك خواصهم. وهؤلاء يجب عليهم أن يتوبوا من هذه البدع والمنكرات، ويلزموا طريق الله الذي بعث به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ليس لهم أن يكونوا قدوة للمسلمين، وليس لأحد أن يقتدي بهم.

ومن كثر جمعهم الباطل، وحضر سماعاتهم التي يفعلونها في [ ص: 154 ] المساجد وغيرها، أو حسن حالهم، أو قرر محالهم من أئمة المساجد ونحوهم، فإنه مستحق التعزير البليغ الذي يستحقه أمثاله. وأقل تعزيره أن يعزل مثل هذا عن إمامة المسلمين، فإن هذا معين لأئمة الضلالة، أو هو منهم، فلا يصلح أن يكون إماما لأهل الهدى والفلاح. قال الله تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، وقال تعالى: والعصر إن الإنسان لفي خسر إلى آخرها . وقال تعالى: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون . والله تعالى أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية