صفحة جزء
فأولياء الله هم المؤمنون المتقون، وهم نوعان: الأبرار وأصحاب اليمين; والسابقون المقربون. فالأولون هم المقربون إلى الله بفعل ما فرضه وترك ما حذره; والآخرون هم الذين يتقربون إليه بعد الواجبات بالنوافل المستحبات، كما روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبد بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي. ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه. وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه".

فقد بين - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث نوع أولياء الله المتقربين بالفرائض، ونوع أهل النوافل بالمحبة. ومالم يكن من الواجبات ولا من المستحبات، ولم يأمر الله به ورسوله لا أمر إيجاب ولا استحباب، ولا فضله الله ورسوله بالترغيب فيه، فليس من الأعمال الصالحة، وليس من العبادات التي يتقرب بها إلى الله، وإن كان كثير من عباد المشركين وأهل الكتاب والمبتدعين يتقربون بما يظنونه عبادات، [ ص: 99 ] وليس مما أوجب الله ورسوله ولا أحبه الله ورسوله، فهؤلاء ضالون مخطئون طريق الله.

وهم في الضلال درجات: فمنهم كافر، ومنهم فاسق، ومنهم مذنب، ومنهم مؤمن مخطئ أخطأ في اجتهاده. والخوارق التي تحصل بمثل هذه الأعمال التي ليست واجبة ولا مستحبة، بل هي من الأحوال الشيطانية، لا مما يكرم الله به أولياءه. كالخوارق التي تحصل بالشرك والكواكب وعباداتها، وعبادة المسيح والعزير وغيرهما من الأنبياء، وعبادة الشيوخ الأحياء والأموات، وعبادة الأصنام، فإن هؤلاء قد تجعل لهم أرواح تخاطب ببعض الأمور الغائبة، ولكن لا بد أن يكذبوا مع ذلك، كما قال تعالى: هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم . وقد تقتل بعض الأشخاص أو تمرضه، وقد تأتيه بما تسترقه من الناس، إما دراهم وإما طعام وإما شراب أو لباس أو غير ذلك. وهذا كثير جدا.

فمن كذب بمثل هذه الخوارق فهو جاهل بالموجودات، ومن ظن أن هذه كرامات أولياء الله المتقين فهو كافر بدين رب الأرض والسماوات، بل هذه من جنس أحوال الكهنة والسحرة، مثل مكاشفة عبد الله بن صياد للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان قد ظنه بعض الصحابة الدجال، ولم يكن هو الدجال، وتوقف فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى تبين له أنه ليس هو الدجال، لكن كان له حال شيطاني، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قد خبأت لك خبيئة" ، فقال: الدخ الدخ، وكان قد خبأ له سورة الدخان، [ ص: 100 ] فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اخسأ، فلن تعدو قدرك، فإنما أنت من إخوان الكهان". وقال له : "ما ترى؟ " قال: أرى عرشا على الماء، وقال: يأتيني صادق وكاذب. وذلك العرش هو عرش إبليس. وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشيطان ينصب عرشه على البحر، ويبعث سراياه".

التالي السابق


الخدمات العلمية