صفحة جزء
[ ص: 371 ] مسألة فيمن يسمي الخميس عيدا [ ص: 372 ] [ ص: 373 ] مسألة

ما تقول السادة العلماء أئمة الدين -رضي الله عنهم أجمعين- فيمن يسمي الخميس المعروف بعيد النصارى عيدا؟ وفيمن يعتقد أن مريم ابنة عمران -عليها السلام- تجر ذيلها ذلك اليوم على الزرع، فينمو ويلحق اللقيس بالبكير، ويخرجون في ذلك اليوم ثيابهم وحلي النساء يرجون البركة من ذلك اليوم وكثرة الخير، ويكحلون الصبيان، ويمغرون الدواب والشجر لأجل البركة، ويصبغون البيض ويقامرون به ويعتقدون حله، ويدفون البخور ويتبخرون به قصد البركة.

أفتونا مأجورين.

الجواب

قال الشيخ الإمام العالم العامل مفتي الفرق، أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني الحنبلي -رحمه الله ورضي عنه-:

الحمد لله وحده. كل ما يفعل في أعياد الكفار من الخصائص التي يعظم بها فليس للمسلم أن يفعل شيئا منها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من تشبه بقوم فهو منهم" ، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا من تشبه بغيرنا" .

وقد شارط عمر بن الخطاب رضي الله عنه أهل الكتاب أن لا يظهروا [ ص: 374 ] شيئا من شعائرهم بين المسلمين، ولا شيئا من شعائر الكفار لا الأعياد ولا غيرها، واتفق المسلمون على نهيهم عن ذلك كما شرطه عليهم أمير المؤمنين.

وسواء قصد المسلم التشبه بهم أو لم يقصد ذلك بحكم العادة التي تعودها فليس له أن يفعل ما هو من خصائصهم، وكل ما فيه تخصيص عيدهم بلباس وطعام ونحو ذلك فهو من خصائص أعيادهم، وليس ذلك من دين المسلمين.

ومن قال: إن مريم تجر ذيلها على الزرع فينمو، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، فإذا هذا اعتقاد الكفار النصارى، وهو من أفسد الاعتقادات، فإن من هو أفضل من مريم من الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام- لا سعي لهم في إنبات النبات وإنزال القطر من السماوات، فكيف يكون ذلك من مريم عليها السلام؟ وإنما هذا اعتقاد النصارى فيها وفي شيوخهم القسيسين أنهم ينفعونهم أو يضرونهم، وهذا من شركهم الذي ذمهم الله تعالى به، كما قال تعالى: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ، وقال تعالى: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله . فإذا كان من اتخذ الملائكة والنبيين أربابا هو كافر، فكيف من اتخذ مريم أو غيرها من الشيوخ؟ [ ص: 375 ] وقال تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا . قال طائفة من السلف: كان قوم يدعون العزير والمسيح والملائكة، فقال الله تعالى: هؤلاء الأنبياء والملائكة الذين تدعونهم يرجون رحمتي ويخافون عذابي، كما ترجون رحمتي وتخافون عذابي، ويتقربون إلي كما تتقربون إلي، وأخبر أنهم لا يملكون كشف الضر عنهم ولا تحويلا.

فإذا كان هذا في الملائكة والنبيين فكيف بمن دونهم؟ كمريم وغيرها من الصالحين الرجال والنساء. فمن دعا غير الله تعالى أو عبده فهو مشرك بالله العظيم، وإن كان ذلك رجلا صالحا أو امرأة صالحة.

وكذلك التزين يوم عيد النصارى من المنكرات، وصنعة الطعام الزائد عن العادة، وتكحيل الصبيان، وتحمير الدواب والشجر بالمغرة وغيرها، وعمل الولائم وجمع الناس على الطعام في عيدهم. ومن فعل هذه الأمور يتقرب بها إلى الله تعالى راجيا بركتها فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، فإن هذا من إخوان النصارى. كما لو عظم الرجل الصليب، وصلى إلى المشرق، وتعمد بالمعمودية، فإن من فعل هذا فهو كافر مرتد يجب قتله شرعا وإن أظهر مع ذلك الإسلام.

وكذلك صبغ البيض فيه. وأما القمار فيه فإنه حرام في كل وقت، فيه وفي غيره. وكذلك البخور فيه ونحو ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية