صفحة جزء
وقد قتل غير واحد من الأنبياء والصحابة والصالحين مظلوما شهيدا ، وليس في دين المسلمين أن يجعلوا يوم قتل أحدهم مأتما ، وكذلك اتخاذه عيدا بدعة . وكل ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم عاشوراء غير صومه فهو كذب ، مثل ما يروى في الاغتسال يوم عاشوراء ، والاكتحال ، وصلاة يوم عاشوراء ، ومثل ما يروى : "من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته" . قال أحمد [ ص: 152 ] ابن حنبل : لا أصل لهذا الحديث . وكذلك طبخ طعام جديد فيه الحبوب أو غيرها ، أو ادخار لحم الأضحية حتى يطبخ به يوم عاشوراء .

كل هذا من بدع النواصب ، كما أن الأول من بدع الروافض .

وأهل السنة في الإسلام كأهل الإسلام في الأديان ، يتولون أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته ويعرفون حقوق الصحابة وحقوق القرابة كما أمر الله بذلك ورسوله ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - قد ثبت عنه في الصحاح من غير وجه أنه قال : "خير القرون القرن الذي بعثت فيه ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم" .

وثبت عنه في الصحيحين أنه قال : "لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" .

وثبت عنه في "صحيح" مسلم عن زيد بن أرقم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس بغدير يدعى خما بين مكة والمدينة ، وذلك منصرفه [ ص: 153 ] من حجة الوداع . فقال : "يا أيها الناس! إني تارك فيكم الثقلين أحدهما كتاب الله" . فذكر كتاب الله وحض عليه ، ثم قال : "وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي" . قيل لزيد بن أرقم : من أهل بيته؟ قال : الذين حرموا الصدقة : آل علي ، وآل العباس ، وآل جعفر ، وآل عقيل . قيل له : كل هؤلاء من أهل بيته؟ قال : نعم .

وهذه أمور مبسوطة في غير هذا الموضع .

والمقصود هنا أن يزيد بن معاوية الذي تولى على المسلمين بعد أبيه لم يكن من الصحابة ، بل ولد في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه .

ولكن عمه يزيد بن أبي سفيان من الصحابة ، وهو من خيار طبقته من الصحابة ، لا يعرف له في الإسلام ما يذم عليه ، بل هو عند المسلمين خير من أبيه أبي سفيان ، ومن أخيه معاوية . ولما مات يزيد بن أبي سفيان ولى عمر أخاه معاوية مكانه ، ثم بقي متوليا خلافة عمر وعثمان ، ثم لما قتل عثمان وقعت الفتنة المشهورة .

وكان علي ومن معه أولى بالحق من معاوية ومن معه . كما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين" . فمرقت الخوارج لما حصلت الفرقة ، فقتلهم علي وأصحابه . فدل على أنهم كانوا أولى بالحق [ ص: 154 ] من معاوية وأصحابه .

ثم لما قتل علي وصالح الحسن معاوية ، وسلم إليه الخلافة كان هذا من فضائل الحسن التي ظهر بها ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري عن أبي بكرة قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول للحسن : "إن ابني هذا سيد ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" .

ومات الحسن في أثناء ملك معاوية .

ثم لما مات معاوية تولى ابنه يزيد هذا ، وجرى بعد موت معاوية من الفتن والفرقة والاختلاف ما ظهر به مصداق ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : "سيكون نبوة ورحمة ، ثم يكون خلافة نبوة ورحمة ، ثم يكون ملك ورحمة ، ثم يكون ملك عضوض" .

فكانت نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - نبوة ورحمة ، وكانت خلافة الخلفاء الراشدين خلافة نبوة ورحمة ، وكانت إمارة معاوية ملكا ورحمة ، وبعده وقع ملك عضوض .

وكان علي بن أبي طالب لما رجع من صفين يقول : لا تسبوا معاوية ، فلو قد مات معاوية لرأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها .

وكان كما ذكره أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه . [ ص: 155 ]

وقد روى مسلم في "صحيحه" عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "النجوم أمنة لأهل السماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي ، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهبت أصحابي أتى أمتي ما يوعدون" .

وكان كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - . فإنه لما توفي ارتد كثير من الناس ، بل أكثر أهل البوادي ارتدوا ، وثبت على الإسلام أهل المدينة ومكة والطائف ، وهي أمصار الحجاز التي كان لكل مصر طاغوت يعبدونه من الطواغيت الثلاثة المذكورة في قوله : أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى .

فكانت اللات لأهل الطائف ، والعزى لأهل مكة ، ومناة لأهل المدينة ، حتى أذهب الله ذلك وغيره من الشرك برسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما ارتد من ارتد عن الإسلام وقع في أكثر المسلمين خوف وضعف ، فأتاهم ما يوعدون ، فأقام الله أبا بكر الصديق رضي الله عنه وجعل فيه من الإيمان واليقين ، والقوة والتأييد ، والعلم والشجاعة ، ما ثبت الله به الإسلام ، وقمع به المرتدين ، حتى عادوا كلهم إلى الإسلام ، وقتل الله مسيلمة الكذاب المتنبي المدعي للنبوة ، وأقر جاحدو الزكاة بها .

ثم شرع في قتال فارس والروم : المجوس والنصارى ، ففتح [ ص: 156 ] الله بعض الفتوح في خلافته .

التالي السابق


الخدمات العلمية