صفحة جزء
وأما المؤمنون حقا فهم المتمسكون بالشريعة والمنهاج المحمدي كما قال تعالى : فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وقال تعالى : ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون . [ ص: 218 ]

ومن أعظم هؤلاء ضلالا : من انتسب إلى إمام أو شيخ من شيوخ المسلمين ، وابتدع في دين الله ما لم يأذن به الله ، أو ضم إلى ذلك أنواعا من التكذيب والتلبيس ، كهؤلاء المتولهين الذين يفتلون شعورهم ، ومن وافقهم من المظهرين كمحرقة النار واللاذن وماء الورد والسكر والعسل والدم من صدورهم ، وإمساك الحيات زاعمين أن ذلك كرامة لهم; واحتيالا عن الصد عن سبيل الله ، وأكل أموال الناس بالباطل .

أما فتل الشعور ولفيفها فبدعة ما أمر بها نبي ولا رجل صالح ولا فعلها من يقتدى به ، بل قد شرع الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - الترجل من تسريح الشعر ودهنه .

ودخل عليه رجل ثائر الشعر فقال : "أما وجد هذا ما يسكن به شعره؟ " .

ولعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الواصلة والموصولة ، ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال .

وأمر بإحفاء الشارب وإعفاء اللحية ، وقال : "من كان له شعر [ ص: 219 ] فليكرمه" ; لا سيما والشعر إذا كان لا يدخل فيه الماء إلى باطنه ، لا يصح الاغتسال من الجنابة ، ويبقى صاحبه لا طهارة له ولا صلاة ، ومن لا صلاة له لا دين له .

وكذلك معاشرة الرجل الأجنبي للنسوة ومخالطتهن من أعظم المنكرات التي تأباها بعض البهائم فضلا عن بني آدم ، قال الله تعالى : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن .

وفي "الصحيح" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إياكم والدخول على النساء" قالوا : يا رسول الله ، أفرأيت الحمو؟ قال : الحمو الموت" .

فإذا كان قد نهى أن يدخل على المرأة حموها أخو زوجها ، فكيف بالأجنبي؟

وقال : "لا يخلون رجل بامرأة ، فإن ثالثهما الشيطان" .

وقال : "لا تسافر المرأة مسيرة يومين إلا مع زوج أو ذي محرم" . [ ص: 220 ]

وكان إذا صلى في مسجده يصلي الرجال خلفه وخلفهم النساء ، فإذا قضى الصلاة مكث هو والرجال حتى يخرج النساء لئلا تختلط النساء بالرجال .

وقال : "خير صفوف الرجال أولها ، وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها ، وشرها أولها" .

وقال أيضا : "يا معشر النساء! لا ترفعن رؤوسكن حتى يرفع الرجال رؤوسهم من ضيق الأزر" ، لئلا تبدو عورة الرجال فتراها المرأة .

وأمر النساء إذا مشين في الطريق أن يمشين على حافة الطريق ولا يحققن الطريق -أي : لا يكن في وسطه- بل يكون وسطه الرجال لئلا يمس منكب الرجل منكب المرأة ، حتى يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ترك بابا من أبواب المسجد للنساء ، ونهى الرجال عن دخوله ، فكان عبد الله بن عمر لا يدخله .

وقالت عائشة رضي الله عنها : "ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة لم يملكها قط" . [ ص: 221 ]

ولما جاء النساء يبايعنه ، قال : "إني لا أصافح النساء ، وإنما قولي لمئة امرأة كقولي لامرأة واحدة" .

ويروى أنه وضع يده في إناء فيه ماء ، ووضعن أيديهن فيه ، ليكون ذلك عوضا عن مصافحة النساء . كل ذلك لئلا يمس الأجانب ، وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتزوج بتسع; وسيد الخلق وأكرمهم عند الله تعالى ، فكيف بهؤلاء الضلال المبتدعين الخارجين عن الإسلام الذين يجمعون بين النساء والرجال في ظلمة أو غير ظلمة؟

ويوهم بعضهم للنساء أن مباشرة الشيخ والفقراء قربة وطاعة ، وأنه مسقط للصلاة ، ويتخذون الزنا والقيادة عبادة ، ويتركون ما أمر الله تعالى به من الصلوات واجتناب الفواحش ، فما أحقهم بقوله تعالى : فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية