صفحة جزء
والعبد والصبي لا يلزمهما الحج، وإذا حجا صح حجهما ولم يسقط عنهما فرض الإسلام، بل إذا بلغ هذا وعتق هذا فعليه الحج إن استطاعه.

ولو أراد العبد والصبي أن يقف بلا إحرام وحج منع من ذلك.

وليس لأحد أن يقف بعرفة إلا مكشوف الرأس محرما، إلا من كان معذورا. ولو أراد الماشي إلى عرفة والراكب أن يقف مع الناس بلا حج ولا إحرام منع من ذلك، كما لو أراد الماشي والراكب والمحمول في الهواء أن يشهد عند المسلمين، فيكون بين صفوفهم ولا يصلي صلاتهم، فهذا يعاقب على ذلك.

والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمر النساء أن يخرجن إلى العيد، وأمر الحيض والعواتق وذوات الخدور، وقال: "أما الحيض فيعتزلن المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين" ، فالحيض مع كونهن معذورات في ترك الصلاة أمرهن أن لا يختلطن بالمصليات، ولا يكن بين صفوف المصليات، بل يعتزلن المصلى، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. فكيف من لا عذر له إذا أراد أن يختلط بالمصلين في [ ص: 219 ] صفوفهم ولا يصلي معهم؟ وكذلك من يطوف بالهواء من الإنس، فقد رئي بعض هؤلاء في الهواء عند الكعبة، وتوضأ وسقط من وضوئه على الأرض، فأنكر عليه الرائي وأحسن في إنكاره، فإن الصلاة والطواف في الهواء غير مشروع، بل يطوف بالأرض ماشيا أو راكبا لعذر، وكذلك الصلاة يصلي على الأرض أو راكبا لعذر. فهذا هو الذي يكون عبادة لله واتباعا لما أنزله ولرسله، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" .

وحمل هؤلاء في الهواء ليس من كرامات أولياء الله، بل من تلعب الشياطين بهم وإضلالهم لهم، كما يفعل الشياطين بالمشركين والنصارى ونحوهم، يفعل بهم أعظم مما هو من هذا، وكذلك ما يفعل مع السحرة والكهان، كما قد بسط في مواضع. وقد قال العفريت لسليمان لما قال: يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين . فهذا يبين أن العفاريت يقدرون على مثل ذلك، لكن هذا كان لسليمان تسخيرا من الله لسليمان، كما سخر له الريح غدوها شهر ورواحها شهر، والشياطين كل بناء وغواص، وآخرين مقرنين في الأصفاد.

والشياطين أضلت كثيرا من بني آدم، فذكروا لكثير من الإنس أن سليمان كان سحر الجن بأسماء وكلمات يقوم بها وهي شرك، وكتبوا ذلك في كتب، وقد قيل: إنهم دفنوها، حتى ظهرت تلك الكتب، وقالوا: إن سليمان كان يسحر الجن بهذا، فصار أهل الضلال فريقين: [ ص: 220 ]

فريقا قدحوا في سليمان وبينوا أنه ساحر، كما يقول ذلك من يقوله من أهل الكتاب، وفريقا قالوا: إنه نبي، وإن هذه الأسماء والكلمات علمه الله إياها، فعملوا بها فكفروا. فنزه الله سليمان عن قول الطائفتين، وبين كفر من اتبع الشياطين، وذم أهل الكتاب الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان، قال تعالى: ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون . وبسط هذا له مواضع أخر، والله سبحانه أعلم.

* * * [ ص: 221 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية