صفحة جزء
ثم إن الإسلام في كل ملة قد يكون بنوع من الشرع والمناهج والوجه والمناسك، فلما بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - وختم به الرسل كان الإسلام لله لا يتم إلا بالدخول فيما جاء به من الشرع والمناهج والمناسك، وهو الإسلام الخالص، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "بني الإسلام على خمس " الحديث .

فإن الإسلام الذي في القلب لا يتم إلا بعمل الجوارح، فكن مباني له ينبني عليها، فالمباني الظاهرة تحمل الإسلام الذي في القلب كما يحمل الجسد الروح، وكما تحمل العمد السقف، والقبة الأركان، فالإسلام الذي هو دين الله بني بمبعث محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذه الأركان، وإن كان بني بمبعث غيره على أركان أخرى، إذ الإسلام الخاص المستلزم للإسلام العام الذي بعث به محمد - صلى الله عليه وسلم - بني على هذه الخمسة. وقد تنازع أصحابنا هل يسمى ما سوى ديننا هذا إسلاما، والنزاع لفظي.

كما أخبر عن حقيقة الإسلام بقوله: وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي [ ص: 30 ] موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون ، فأمرهم بعد أمره لهم باتباع ملة إبراهيم أن يقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا ، إلى آخر الآية، ففي ذلك الإيمان بما أنزله الله، وما أوتيه النبيون من ربهم، والإيمان بجماعتهم من غير تفريق بينهم، وهو الإيمان ببعض والكفر ببعض، كما قال عن الكفار حيث قالوا: نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا ، وكان نصيب خالصة الأمة من ذلك أن تؤمن بجميع نصوص الكتاب والسنة، لا تفرق بين النصوص فتتبع بعضها وتترك بعضها، فبذلك يصيرون من أهل السنة، دون الذين تركوا السنن والآثار أو بعضها، أو تمسكوا ببعض آي القرآن دون بعض، من أصناف المبتدعة.

وكذلك لا يفرقون بين أولي الأمر من الأمة من علمائها وأمرائها، بل يعطون كل ذي حق حقه، ويقبلون منه ما أمر الله بقبوله منه، ويتركونه حيث تركه الله، فيكونون أهل جماعة لا أهل فرقة، وهذا فيه جمع عظيم يحتاج إلى تفصيل، وذلك أن الله أمرنا بطاعة أولي الأمر منا، وأمرنا أن نعتصم بحبل الله جميعا ولا نتفرق، ونهانا أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات، وبرأ نبيه من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا. [ ص: 31 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية