صفحة جزء
وأيضا فذاك المعبود إما أن يعلم بعبادتك أو لا يعلم، فإن لم يعلم لم يجز أن يقصد إيصال النفع إليك، وإن علم فالعالم الشاعر لا يعمل إلا لجلب منفعة أو دفع مضرة. وكونك تعبده وتقصده وتجعله هو الغاية المطلوبة بعملك ليس له في هذا منفعة ولا مصلحة، لأنه لو جاز [ ص: 117 ] أن تكون نفسه غاية له مقصودة بعمل غيره، لكان أن تكون غاية له بعمل نفسه أولى وأحرى.

وقد تبين أنه لا يجوز أن تكون نفسه غاية نفسه بعمل نفسه، فأن لا تكون غاية له بعمل غيره أولى وأحرى.

وهذا كما نقول في جانب الربوبية: إذا [كان] كل من المخلوقات فقيرا عن أن يقيم نفسه، ويكون وجودها به، فهو عن أن يكون مقيما لغيره وجوده به أولى وأحرى، إذ ذاته أقرب إلى ذاته من غيره، فإذا لم يجز أن يكون فاعلا لنفسه، ولا يصلح أن يكون غاية مقصوده لها بعمله، لم يجز أن يكون فاعلا لغيره ومقصودا لغيره.

وقد تبين أن المخلوق إذا لم يكن له في مجرد كونه معبودا مصلحة، فإن حصل له بعبادة غيره له غرض آخر من غيره، مثل إقامة رئاسته وتعظيمه عند الخلق، ونحو ذلك مما يلتذ به، كان ذلك إحسانا إليه، وكان ما يعطيه إياه من باب المعاوضة، فالمعبود من الخلق مفتقر إلى شيء غيره منفصل عنه يحصل به مقصوده من عبادة غيره الذي يحسن إليه بقوة نفسه، وهذا فقير إلى غيره في هذا كفقره إلى غيره في هذا.

وأما ما يكون محبوبا معبودا لذاته، بأن يكون في مجرد ذلك مصلحة ومنفعة لقاصده، مع تقدير أنه لا يقصد نفع قاصده، فهذا كما يتمتع الإنسان بالنظر إلى المناظر الجميلة، ويتمتع بسمع الأصوات المطربة، وهذا قد يكون من الجانبين، كما أن كلا من الزوجين يتمتع بالآخر، فهذا يقصد انتفاعه بهذا، وهذا يقصد انتفاعه بهذا، إذ في [ ص: 118 ] مباشرة كل منهما للآخر لذة وسرور. وكذلك المتعاونان على علم أو عبادة أو تجارة أو غير ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية