صفحة جزء
[ ص: 253 ] مسألة

في مقتل الحسين وحكم يزيد [ ص: 254 ] سئل- رحمه الله ورضي عنه-

عن مقتل الحسين- رضي الله عنه- وما حكمه وحكم قاتله؟ وما حكم يزيد؟ وما صح من صفة مقتل الحسين وسبي أهله وحملهم إلى دمشق والرأس معهم؟ وما حكم معاوية في أمر الحسن والحسين وعلي وقتل عثمان ونحو ذلك؟

فأجاب- رضي الله عنه-

الحمد لله. أما عثمان وعلي والحسين- رضي الله عنهم- فقتلوا مظلومين شهداء باتفاق أهل السنة والجماعة، وقد ورد في عثمان وعلي أحاديث صحيحة في أنهم شهداء وأنهم من أهل الجنة، بل وفي طلحة والزبير أيضا، كما في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للجبل لما اهتز ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي: "اثبت حراء- أو أحد- فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ". بل قد شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة للعشرة ، وهم: الخلفاء الأربعة وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح.

أما فضائل الصديق فكثيرة مستفيضة، وقد ثبت من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت [ ص: 256 ] أبا بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل الله " يعني نفسه. وقال: "إن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر". وقال: "لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر". وقال لعائشة : "ادعي لي أباك وأخاك، حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس من بعدي ". ثم قال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر". وجاءته امرأة فسألته شيئا، فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: أرأيت إن جئت فلم أجدك؟ - كأنها تعني الموت- قال: "إن لم تجديني فائتي أبا بكر" . وقال: "أيها الناس، إني جئت إليكم فقلت: إني رسول الله إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ " .

وهذه الأحاديث كلها في الصحاح ثابتة عند أهل العلم بالنقل. وقد تواتر أنه أمره أن يصلي بالناس في مرض موته، فصلى بالناس أياما متعددة بأمره، وأصحابه كلهم حاضرون- عمر وعثمان وعلي وغيرهم- فقدمه عليهم كلهم. وثبت في الصحيح أن عمر قال له بمحضر من المهاجرين والأنصار: "أنت خيرنا وسيدنا وأحبنا إلى [ ص: 257 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". وثبت في الصحيح : أن عمرو بن العاص سأله عن أحب الرجال إليه، فقال: "أبو بكر".

وفضائل عمر وعثمان وعلي كثيرة جدا ليس هذا موضع بسطها، وإنما المقصود أن من هو دون هؤلاء- مثل طلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف- قد توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض، كما ثبت ذلك في الصحيح عن عمر أنه جعل الأمر شورى في ستة: عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن، وقال: هؤلاء الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض. بل قد ثبت في الصحيح من حديث علي بن أبي طالب أن حاطب بن أبي بلتعة قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنه شهد بدرا، وما يدريك أن الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ". وكانوا ثلاث مئة وثلاثة عشر.

وثبت في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة". وكان أهل الشجرة ألفا وأربعمئة كلهم رضي الله عنهم ورضوا عنه، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وهم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، فهم أعظم درجة ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل. وثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه [ ص: 258 ] قال: "لا تسبوا أصحابي، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ". وثبت في الصحيح أن غلام حاطب قال: والله يا رسول الله، ليدخلن حاطب النار، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - له: "كذبت، إنه قد شهد بدرا والحديبية". وهذا وقد كان حاطب سيئ الملكة، وقد كاتب المشركين بأخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الفتح، ومع هذه الذنوب أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ممن يدخل الجنة ولا يدخل النار، فكيف بمن هو أفضل منه بكثير؟ كعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف.

التالي السابق


الخدمات العلمية