صفحة جزء
وفي السنن أنه قال للمستحاضة: "سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر"، فخيرها بين أن تصلي كل صلاة في وقتها بوضوء، وبين أن تؤخر الظهر وتعجل العصر وتجمع بينهما بغسل، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتجمع بينهما بغسل، قال: "وهذا أحب الأمرين إلي". فاختار الجمع بين الصلاتين بغسل على التفريق بالوضوء، وكان هذا مما يستدل به على أن الجمع مع إكمال الصلاة أولى من التفريق مع نقصها، فإنه لا سبب هنا للجمع إلا الاغتسال الذي هو أكمل للمستحاضة من الوضوء، مع أن الاغتسال ليس بواجب عليها، والغسل مع تيقن الحيض واجب، وأما في هذه الصورة فيستحب احتياطا، لإمكان أن يكون دم الحيض قد انقطع حينئذ، ولهذا يستحب لها أن تغتسل لكل صلاة.

وهذا بمنزلة الشاك هل أحدث أم لا؟ بعد تيقن الطهارة، فإن الوضوء أفضل له، وإن استصحب الحال أجزأه عند الجمهور، وهو الصواب، كما أجزأ المستحاضة أن تصلي إذا اغتسلت، وإن جاز أن يكون الدم الخارج بعد ذلك دم حيض.

ومعلوم أن كل ما أمر الله به في الصلاة وإنما رخص في تركه للعذر [ ص: 333 ] فالصلاة معه أكمل، كما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، وصلاة المضطجع على النصف من صلاة القاعد". وهذا قيل: إنه المتطوع غير المعذور، وجوز من قال: إن الصحيح يتطوع مضطجعا، وهو قول لبعض أصحاب الشافعي وأحمد، وهو غلط مخالف لما عليه سلف الأمة وأئمتها وما عليه عمل المسلمين دائما أن أحدا لا يتطوع مضطجعا مع قدرته على القيام والقعود. وهذا الحديث إنما كان في المعذور، وكذلك جاء مصرحا به أنه خرج عليهم وهم يصلون قعودا بسبب مرض عرض لهم، فذكر هذا القول.

التالي السابق


الخدمات العلمية