صفحة جزء
وجماع ذلك القسط والعدل في كل شيء، فتجب الإعانة على حسن الخلق. وكما أمر الله بالإعانة على ذلك فأمر بالتناجي به فقال: يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون [المجادلة: 9].

والإثم والعدوان جماعه الظلم; ظلم النفس أو ظلم العبد لنفسه أو لغيره مع نفسه، والظلم في حق الله. وقد قال تعالى: إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [الأعراف: 32].

فالإعانة على هذه المحرمات هي الإعانة على الإثم والعدوان، والإعانة على الفواحش يدخل فيه الذي تسميه الناس: قيادة، مثلما كانت امرأة لوط -العجوز التي تركت في الغابرين- تعين قومها قوم السوء الذين كانوا يعملون الخبائث، وكانت تدلهم على الأضياف الذين يأتون إلى لوط عليه السلام.

فالدال على الفواحش من الرجال والنساء، والجامع بين [ ص: 475 ] الناس على الفواحش بكلامه أو عمله أو مكانه أو غير ذلك له نصيب من هذا، حتى من يبيع ما يستعين به على المعصية، كما لعن النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة، لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وبائعها، ومشتريها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها. حتى قال الإمام أحمد: إن بيع الخبز واللحم والفاكهة لمن يستعين به على الفاحشة والإثم من هذا الباب.

والإعانة على الإثم والعدوان أعظم من السكوت عن تغيير ذلك، فإن السكوت عن تغيير ذلك هو ترك لإنكار المنكر، والإعانة على المنكر أعظم من السكوت عن إنكاره. والله سبحانه وتعالى قد أوجب على الرجل أن يغار على أهله ويصونهم عن الفواحش، فإذا سكت عن تغيير ذلك كان ديوثا، وهو الذي جاء فيه الحديث: « لا يدخل الجنة ديوث». وهو ضد الغيور. والغيرة التي يحبها الله هي الغيرة في [ ص: 476 ] الريبة، فإذا لم يغر من فعل الفاحشة كان ذلك دياثة. لكن الغيرة على أهل الرجل أوجب من الغيرة على غير أهله. وكذلك الدياثة في حق أهله أعظم جرما. وذلك أنه منع لمشاركة غيره له في أهله، وذلك أمر يختص به ويعود ضرره عليه ونفعه له بخلاف فعل غيره الفاحشة.

ولهذا جعل الله [في] بني آدم وغيرهم من الحيوان النفرة من أن يشارك الرجل في محل استمتاعه بخلاف نفورهم عن فاحشة غير أهله، حتى يزني الرجل الفاجر بنساء الناس وأبناء الناس ومماليكهم، ويعظم عليه أن يرى مثل ذلك في نسائه وأولاده ومماليكه; لما في النفوس من الغيرة وكراهة المشاركة في محل المتعة، وإن كانت النفوس عن ذلك قد محرومة. والله أعلم.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية