وأما 
إطلاق لفظ الدعاء على الثناء وذكر الله فلوجوه  : 
أحدها : أن المثني يتعرض لرحمة الله من جلب المنفعة ودفع المضرة ، فصار سائلا بحاله وإن كان مثنيا بقاله . وهذا جواب سفيان بن عيينة ، واستشهد بحديث 
مالك بن الحويرث  وشعر 
أمية بن أبي  [ ص: 14 ] الصلت   . 
وتحقيق ذلك أن الثناء المتضمن لمعرفة المسؤول وجوده ورحمته ، يورث اللجأ إليه والافتقار إليه والرغبة إليه ، أعظم بكثير مما يوجبه مجرد السؤال الخالي عن تلك المعرفة والحال . وهكذا الأمر من جانب المعطي ، فإن معرفته بحال المعطى وصفات استحقاقه توجب إعطاءه أعظم مما يكون بمجرد السؤال باللسان . ولهذا يكون إظهار الفاقة والفقر إلى الله والحاجة والضرورة فقط أبلغ من سؤال شيء معين . 
فهذا في إخبار العبد بحال نفسه وإقراره بذلك واعترافه نظير إخباره بصفات ربه وثنائه عليه ومدحه له ، وكلاهما خبر يتضمن الطلب . وهذا نوع واسع من الكلام ، وهو الخبر المتضمن للطلب ، كما أن الطلب يتضمن الخبر . 
وهذا الوجه يتضمن وجهين : 
أحدهما : أن الثناء والإخبار كله لفظه لفظ الخبر ومعناه الطلب والسؤال حقيقة عرفية ، كما يقول الابن لأبيه : أنا جائع ، ويقول السائل  
[ ص: 15 ] للمسؤول : 
وما يفعلوا من خير فلن يكفروه  [آل عمران :115] ، كما قد قيل : إن لفظ الخبر يكون أمرا ، وهو كثير . 
الثاني : أن المثني بنفس ثنائه سائل بحاله ، فهو جامع بين الثناء القولي والسؤال الحالي ، فهو يقصد الثناء والطلب ، بخلاف الأول فقصده الطلب فقط بلفظ الثناء . 
الوجه الثالث : أن الدعاء يراد به دعاء العبادة ودعاء المسألة ، كما قد قررته في غير هذا الموضع وبسطته . فالمثني والذاكر داع دعاء الصلاة وإن لم يكن سائلا ، ثم يعطى أفضل مما يعطاه غيره . 
فالناطق بلفظ الثناء والذكر له ثلاثة أحوال : إما أن يقصد المسألة فقط ، وإما أن يقصد الله فقط ، وإما أن يقصدهما . ثم إنه وإن قصد أحدهما فلا بد أن يحصل الآخر ، كما أن السائل بلفظ السؤال لا بد أن يحصل له أيضا تعظيم القلب ومعرفته وخشوعه ، لكن الذي قصد الله وعبده جعل ما سواه وسيلة إليه ، والذي لا يريد إلا قضاء حاجته جعل الله وسيلة إلى مقصوده ، وهو عابد لله ، حيث علم أن الله هو النافع والضار ، لا إله غيره ولا رب سواه .