فصل 
قال الله تعالى : 
أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين  [المؤمنون :68] ، كما قال تعالى : 
أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا  [النساء :82] ، وقال : 
أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها  [محمد :24] . وقال تعالى : 
والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب  [الزمر :17 - 18] ، كما قال : 
وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون  [الأعراف :204] ، وقال : 
وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين  [الأحقاف :29] ، وقال : 
قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد  [الجن :1 - 2] . 
فحض سبحانه على تدبر القول كما حض على استماع القول ، فإن قوله : 
أفلم يدبروا استفهام ، وأداة الاستفهام إذا دخلت على حرف النفي كان للتقرير ، كقوله : 
ألم نشرح لك صدرك  [الشرح :1] ، وقوله : 
ألم يجدك يتيما فآوى  [الضحى :6] . لكن هذا في الجمل الخبرية . فقوله :  
[ ص: 35 ] أفلم يدبروا القول ، إن أجري على هذا كان المعنى أنهم قد تدبروا القول فوجدوه حقا ، وإلا كان هذا استفهام إنكار بمعنى الأمر والتحضيض ، كقوله : 
أفلا يتدبرون القرآن ، وهذا أشبه بالمعنى . لكن . . . 
ثم القول الذي أمر بتدبره وأمر باستماعه هو القرآن ، 
فانحرف قوم من المتكلمة فيما يتدبرونه إلى أقوال محدثة ، وانحرف قوم من المتعبدة فيما يستمعونه متبعين له إلى سماع أقوال محدثة ، وجعل بعضهم قوله تعالى : 
يستمعون القول عاما لكل قول من الآيات والأبيات ، فاستمعوا هذين ، وربما رجحوا سماع الأبيات ترجيحا حاليا أو اعتقاديا أيضا ، كما أن الأولين يتدبرون وينظرون نظر انتفاع في الأقوال المشروعة والأقوال غير المشروعة ، وربما رجحوا أقوال المتكلمين على قول الله ورسوله اعتقادا أو حالا .