صفحة جزء
وأيضا فالإرادة تقوى وتضعف بحسب القدرة والعجز ، فالنفس لا تطمع من المعاصي غالبا إلا فيما هو من جنس مقدورها ، فإذا لم تقدر على المعصية فهي في الغالب لا تريدها إرادة جازمة . مع أن هذا الحديث فيه القول مع النية ، وبهذا قد يجاب أيضا عن قوله الذي في الصحيح : «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به » .

ومن الناس من يقول : التسوية في أصل الأجر لا في قدره . وقد احتج بعضهم على الإرادة بقوله : «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار » ، قيل : يا رسول الله! هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ [ ص: 60 ] قال : «إنه أراد قتل صاحبه » . وروي : «إنه كان حريصا على قتل صاحبه » . فهذا في مريد إرادة جازمة لم يمنعه إلا العجز ، وقد حاول أسباب القتل . فهو يوافق حديث أبي كبشة من وجه .

وأما الإرادة الجازمة من القادر فلا توجد إلا ويوجد الفعل ، فإنه متى وجدت الإرادة التامة والقدرة التامة وجب وجود الفعل ، فإن ذلك هو سببه التام ، فيمتنع عدم الفعل بعد وجود سببه التام . وحيث تعذر فلخلل في القدرة أو في الإرادة .

الوجه الرابع : أن الحسنات يتعدى ثوابها فاعلها ، وأما السيئة فلا يعاقب عليها إلا فاعلها ، فإن المؤمن ينفعه الله بصلاة المؤمنين عليه ودعائهم له واستغفارهم ، وبما يفعل عنه من العبادات المالية كالصدقة والعتق والحج ، وكذلك العبادات البدنية عندنا وعند الجمهور ، كالصلاة والقراءة والصيام والحج وغير ذلك ، كما جاء في ذلك أحاديث معروفة ، قطعة منها في الصحيح . وتنفعهم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك أطفال المؤمنين تبع لآبائهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية