صفحة جزء
ومن ذلك : أن مالكا وأصحابه منعوا سماع الدعوى التي لا تشبه الصدق ، ولم يحلفوا لها المدعى عليه ، نظرا إلى الأمارات والقرائن الظاهرة .

ومن ذلك : أن أصحابنا وغيرهم من الفقهاء ، جوزوا للرجل أن يلاعن امرأته ، فيشهد عليها بالزنا مؤكدا لشهادته باليمين ، إذا رأى رجلا يعرف بالفجور يدخل إليها ويخرج من عندها ، نظرا إلى الأمارات والقرائن الظاهرة .

ومن ذلك : أن جمهور الفقهاء يقولون في تداعي الزوجين ، والصانعين لمتاع البيت والدكان : أن القول قول من يدل الحال على صدقه ، والصحيح في هذه المسألة : أنه لا عبرة باليد الحسية ، بل وجودها كعدمها .

ولو اعتبرناها لاعتبرنا يد الخاطف لعمامة غيره وعلى رأسه عمامة وآخر خلفه حاسر الرأس ونحن نقطع بأن هذه يد ظالمة عادية ، فلا اعتبار لها ، ومن ذلك : أن مالكا رحمه الله يجعل القول قول المرتهن في قدر الدين ، ما لم يزد على قيمة الرهن .

وقوله هو الراجح في الدليل ; لأن الله سبحانه جعل الرهن بدلا من الكتاب والشهود ، فكأنه ناطق بقدر الحق ، وإلا فلو كان القول قول الراهن لم يكن الرهن وثيقة ، ولا جعل بدلا من الكتاب والشاهد ، فدلالة الحال تدل على أنه إنما رهنه على قيمته أو ما يقاربها ، وشاهد الحال يكذب الراهن إذا قال : رهنت عنده هذه الدار على درهم ونحوه ، فلا يسمع قوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية