صفحة جزء
11 - ( فصل )

ومن أنواع الفراسة : ما أرشدت إليه السنة النبوية من التخلص من المكروه بأمر سهل جدا ، من تعريض بقول أو فعل .

فمن ذلك : ما رواه الإمام أحمد في مسنده " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { قال رجل : يا رسول الله ، إن لي جارا يؤذيني ، قال : انطلق ، فأخرج متاعك إلى الطريق ، فانطلق ، فأخرج متاعه . فاجتمع الناس إليه . فقالوا : ما شأنك ؟ فقال : إن لي جارا يؤذيني . فجعلوا يقولون : اللهم العنه ، اللهم أخرجه . فبلغه ذلك ، فأتاه فقال : ارجع إلى منزلك ، فوالله لا أوذيك أبدا } فهذه وأمثالها هي الحيل التي أباحتها الشريعة .

وهي تحيل الإنسان بفعل مباح على تخلصه من ظلم غيره وأذاه ، لا الاحتيال على إسقاط فرائض الله واستباحة محارمه . وفي " المسند " والسنن عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أحدث في صلاته فلينصرف ، فإن كان في صلاة جماعة فليأخذ بأنفه ولينصرف } . وفي السنة كثير من ذكر المعاريض التي لا تبطل حقا ، ولا تحق باطلا كقوله صلى الله عليه وسلم للسائل { ممن [ ص: 34 ] أنتم ؟ قالوا : نحن من ماء } .

وقوله للذي ذهب بغريمه ليقتله { إن قتله فهو مثله } ( ) ، وكان إذا أراد غزوة ورى بغيرها وكان الصديق رضي الله عنه يقول في سفر الهجرة لمن يسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من هذا بين يديك " فيقول : " هاد يدلني على الطريق " .

وكذلك الصحابة من بعده . فروى زيد بن أسلم عن أبيه ، قال : قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه حلل من اليمن ، فقسمها بين الناس ، فرأى فيها حلة رديئة ، فقال : كيف أصنع بهذه ؟ إن أعطيتها أحدا لم يقبلها ، فطواها وجعلها تحت مجلسه . وأخرج طرفها ، ووضع الحلل بين يديه ، فجعل يقسم بين الناس . فدخل [ ص: 35 ] الزبير وهو على تلك الحال ، فجعل ينظر إلى تلك الحلة ، فقال : ما هذه الحلة ؟ فقال عمر : دعها عنك ، قال : ما شأنها ؟ قال : دعها . قال : فأعطنيها . قال : إنك لا ترضاها ، قال : بلى ، قد رضيتها . فلما توثق منه ، واشترط عليه ألا يردها ، رمى بها إليه ، فلما نظر إليها إذ هي رديئة ، قال : لا أريدها ، قال عمر : هيهات ، قد فرغت منها . فأجازها عليه ، ولم يقبلها .

وقال عبد الله بن سلمة : سمعت عليا يقول : " لا أغسل رأسي بغسل حتى آتي البصرة فأحرقها ، وأسوق الناس بعصاي إلى مصر " فأتيت أبا مسعود البدري ، فأخبرته فقال : " إن عليا يورد الأمور موارد لا تحسنون تصديرها ، علي لا يغسل رأسه بغسل ، ولا يأتي البصرة ، ولا يحرقها ، ولا يسوق الناس عنها بعصاه ، علي رجل أصلع إنما على رأسه مثل الطست إنما حوله شعرات " ومن ذلك : تعريض عبد الله بن رواحة لامرأته بإنشاد شعر يوهم أنه يقرأ ، ليتخلص من أذاها له حين واقع جاريته .

وتعريض محمد بن مسلمة لكعب بن الأشرف حين أمنه بقوله : " إن هذا الرجل قد أخذنا بالصدقة وقد عنانا .

وتعريض الصحابة لأبي رافع اليهودي . [ ص: 36 ]

12 - ( فصل )

ومن ذلك : قول عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه - وقد أقيم على دكان بعد صلاة الجمعة - فقام على الدكان ، وقال : إن الأمير أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب ، فالعنوه . لعنه الله .

ومن ذلك : تعريض الحجاج بن علاط ، بل تصريحه لامرأته ، بهزيمة الصحابة وقتلهم ، حتى أخذ ماله منها .

التالي السابق


الخدمات العلمية