صفحة جزء
90 - ( فصل )

الطريق الثالث والعشرون الحكم بالخط المجرد - وله صور ثلاث :

الصورة الأولى : أن يرى القاضي حجة فيها حكمه لإنسان ، فيطلب منه إمضاءه والعمل به ، فقد اختلف في ذلك ، فعن أحمد ثلاث روايات ، إحداهن : أنه إذا تيقن أنه خطه نفذه ، وإن لم يذكره .

والثانية : أنه لا ينفذه حتى يذكره والثالثة : أنه إذا كان في حرزه وحفظه نفذه ، وإلا فلا .

قال أبو البركات : وكذلك الروايات في شهادة الشاهد : بناء على خطه إذا لم يذكره .

والمشهور من مذهب الشافعي : أنه لا يعتمد على الخط ، لا في الحكم ولا في الشهادة ، وفي مذهبه وجه آخر : أنه يجوز الاعتماد عليه إذا كان محفوظا عنده ، كالرواية الثالثة عن أحمد . وأما مذهب أبي حنيفة ، فقال : الخفاف .

قال أبو حنيفة : إذا وجد القاضي في ديوانه شيئا لا يحفظه - كإقرار الرجل بحق من الحقوق - وهو لا يذكر ذلك ولا يحفظه ، فإنه لا يحكم بذلك ، ولا ينفذه حتى يذكره .

وقال أبو يوسف ومحمد : ما وجده القاضي في ديوانه - من شهادة شهود شهدوا عنده لرجل على رجل بحق ، أو إقرار رجل لرجل بحق ، والقاضي لا يحفظ ذلك ولا يذكره - فإنه ينفذ ذلك ، ويقضي به ، إذا كان تحت خاتمه محفوظا ، ليس كل ما في ديوان القاضي يحفظه .

وأما مذهب مالك : فقال في " الجواهر " : لا يعتمد على الخط إذا لم يذكر ، لإمكان التزوير عليه قال القاضي أبو محمد : إذا وجد في ديوانه حكما بخطه . ولم يذكر أنه حكم به : لم يجز له أن يحكم به ، إلا أن يشهد عنده شاهدان . [ ص: 174 ] قال : وإذا نسي القاضي حكما حكم به ، فشهد به عنده شاهدان أنه قضى به : نفذ الحكم بشهادتهما ، وإن لم يذكر .

وجمهور أهل العلم على خلافها ، بل إجماع أهل الحديث قاطبة على اعتماد الراوي على الخط المحفوظ عنده ، وجواز التحديث به ، إلا خلافا شاذا لا يعتد به ، ولو لم يعتمد على ذلك لضاع الإسلام اليوم ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس بأيدي الناس - بعد كتاب الله - إلا هذه النسخ الموجودة من السنن ، وكذلك كتب الفقه : الاعتماد فيها على النسخ ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث كتبه إلى الملوك وغيرهم ، وتقوم بها حجته ، ولم يكن يشافه رسولا بكتابه بمضمونه قط ، ولا جرى هذا في مدة حياته صلى الله عليه وسلم بل يدفع الكتاب مختوما ، ويأمره بدفعه إلى المكتوب إليه ، وهذا معلوم بالضرورة لأهل العلم بسيرته وأيامه .

وفي " الصحيح " عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ما حق امرئ مسلم ، له شيء يوصي فيه ، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده } .

ولو لم يجز الاعتماد على الخط لم تكن لكتابة وصية فائدة .

قال إسحاق بن إبراهيم : قلت لأحمد : الرجل يموت ، وتوجد له وصية تحت رأسه من غير أن يكون أشهد عليها ، أو أعلم بها أحدا ، هل يجوز إنفاذ ما فيها ؟ قال : إن كان قد عرف خطه ، وكان مشهور الخط : فإنه ينفذ ما فيها .

وقد نص في الشهادة : أنه إذا لم يذكرها ورأى خطه : لا يشهد حتى يذكرها . ونص فيمن كتب وصيته وقال : اشهدوا علي بما فيها : أنهم لا يشهدون إلا أن يسمعوها منه ، أو تقرأ عليه فيقر بها .

فاختلف أصحابنا ، فمنهم من خرج في كل مسألة حكم الأخرى ، وجعل فيها وجهين بالنقل والتخريج ، ومنهم من امتنع من التخريج ، وأقر النصين ، وفرق بينهما .

واختار شيخنا التفريق ، قال : والفرق : أنه إذا كتب وصيته ، وقال : اشهدوا علي بما فيها ، فإنهم لا يشهدون ، لجواز أن يزيد في الوصية وينقص ويغير ، وأما إذا كتب وصيته ثم مات ، وعرف أنه خطه ، فإنه يشهد به لزوال هذا المحذور . [ ص: 175 ] والحديث المتقدم كالنص في جواز الاعتماد على خط الموصي ، وكتبه صلى الله عليه وسلم إلى عماله وإلى الملوك وغيرهم تدل على ذلك ، ولأن الكتابة تدل على المقصود ، فهي كاللفظ ، ولهذا يقع بها الطلاق .

قال القاضي : وثبوت الخط في الوصية يتوقف على معاينة البينة أو الحاكم لفعل الكتابة ، لأنها عمل ، والشهادة على العمل طريقها الرؤية .

وقول الإمام أحمد : " إن كان قد عرف خطه وكان مشهور الخط ، ينفذ ما فيها " يرد ما قاله القاضي ، فإن أحمد علق الحكم بالمعرفة والشهرة ، من غير اعتبار لمعاينة الفعل ، وهذا هو الصحيح ، فإن القصد حصول العلم بنسبة الخط إلى كاتبه ، فإذا عرف ذلك وتيقن كان كالعلم بنسبة اللفظ إليه ، فإن الخط دال على اللفظ ، واللفظ دال على القصد والإرادة ، وغاية ما يقدر : اشتباه الخطوط ، وذلك كما يعرض من اشتباه الصور والأصوات وقد جعل الله سبحانه لخط كل كاتب ما يتميز به عن خط غيره كتميز صورته وصوته عن صورته وصوته ، والناس يشهدون شهادة - لا يستريبون فيها - أن هذا خط فلان ، وإن جازت محاكاته ومشابهته فلا بد من فرق ، وهذا أمر يختص بالخط العربي ، ووقوع الاشتباه والمحاكاة لو كان مانعا لمنع من الشهادة على الخط عند معاينته إذا غاب عنه ، لجواز المحاكاة

دلت الأدلة المتضافرة - التي تقرب من القطع - على قبول شهادة الأعمى فيما طريقه السمع إذا عرف الصوت ، مع أن تشابه الأصوات - إن لم يكن أعظم من تشابه الخطوط - فليس دونه .

وقد صرح أصحاب أحمد والشافعي بأن الوارث إذا وجد في دفتر مورثه ، أن لي عند فلان كذا ، جاز له أن يحلف على استحقاقه ، وأظنه منصوصا عليها ، وكذلك لو وجد في دفتره : أن أديت إلى فلان ماله علي جاز له أن يحلف على ذلك إذا وثق بخط مورثه وأمانته .

ولم يزل الخلفاء والقضاة والأمراء والعمال يعتمدون على كتب بعضهم إلى بعض ، ولا يشهدون حاملها على ما فيها ، ولا يقرءونها عليه ، هذا عمل الناس من زمن نبيهم إلى الآن . قال البخاري في صحيحه " : " باب الشهادة على الخط [ المختوم ] ، وما يجوز من ذلك وما يضيق عليه ، وكتاب الحاكم إلى عماله ، والقاضي إلى القاضي وقال بعض الناس : كتاب الحاكم جائز إلا في الحدود ، [ ثم ] قال : وإن كان القتل خطأ ، لأن هذا مال يزعمه ، وإنما صار مالا بعد أن ثبت القتل ، فالخطأ والعمد واحد .

وقد كتب عمر إلى عامله في الحدود ، وكتب عمر بن عبد العزيز في سن كسرت .

وقال إبراهيم : كتاب القاضي إلى القاضي جائز إذا عرف الكتاب والخاتم ، وكان الشعبي يجيز الكتاب المختوم بما فيه من القاضي ، ويروى عن ابن عمر نحوه .

وقال معاوية بن عبد الكريم الثقفي : شهدت عبد الملك بن يعلى - قاضي البصرة - وإياس بن معاوية ، والحسن البصري ، وثمامة بن عبد الله بن أنس ، وبلال بن أبي بردة ، وعبد الله بن بريدة ، وعامر بن عبيدة ، وعباد بن منصور [ ص: 176 ] يجيزون كتب القضاة بغير محضر من الشهود ، فإن قال الذي جيء عليه بالكتاب : إنه زور ، قيل له : اذهب فالتمس المخرج من ذلك .

وأول من سأل على كتاب القاضي البينة : ابن أبي ليلى ، وسوار بن عبيد الله ، وقال لنا أبو نعيم : حدثنا عبد الله بن محرز قال : جئت بكتاب من موسى بن أنس ، قاضي البصرة ، وأقمت عنده البينة : أن لي عند فلان كذا وكذا - وهو بالكوفة - فجئت به القاسم بن عبد الرحمن فأجازه .

وكره الحسن البصري وأبو قلابة : أن يشهد على وصية حتى يعلم ما فيها ، لأنه لا يدري ، لعل فيها جورا ، وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل خيبر { إما أن تدوا صاحبكم ، وإما أن تؤذنوا بحرب } . ا هـ كلامه .

وأجاز مالك الشهادة على الخطوط ، فروى عنه ابن وهب - في الرجل يقوم بذكر حق قد مات شهوده ، ويأتي بشاهدين عدلين على خط كاتب الخط - قال : تجوز شهادتهما على كاتب الكتاب إذا كان عدلا ، مع يمين الطالب ، وهو قول ابن القاسم .

وذكر ابن شعبان عن ابن وهب أنه قال : لا آخذ بقول مالك في الشهادة على الخط ، وقال الطحاوي : خالف مالك جميع الفقهاء في ذلك ، وعدوا قوله شذوذا .

قال محمد بن الحارث : الشهادة على الخط خطأ ، فقد قال مالك في رجل قال : سمعت فلانا يقول : رأيت فلانا قتل فلانا ، أو قال : سمعت فلانا طلق امرأته أو قذفها : أنه لا يشهد على شهادته إلا أن يشهده ، قال : والخط أبعد من هذا وأضعف .

قال : ولقد قلت لبعض القضاة : أتجوز شهادة الموتى ؟ فقال : ما هذا الذي تقول ؟ فقلت : إنكم تجيزون شهادة الرجل بعد موته إذا وجدتم خطه في وثيقة ، فسكت .

وقال محمد بن عبد الحكم : لا يقضى في دهرنا بالشهادة على الخط ، لأن الناس قد أحدثوا ضروبا من الفجور ، وقد قال مالك في الناس : تحدث لهم أقضية على نحو ما أحدثوا من الفجور .

وقد روى لي عبد الله بن نافع عن مالك قال : كان من أمر الناس القديم : إجازة الخواتيم ، حتى إن القاضي ليكتب للرجل الكتاب فما يزيد على ختمه ، فيعمل به ، حتى اتهم الناس ، فصار لا يقبل إلا بشاهدين . ا هـ .

واختلف الفقهاء فيما إذا أشهد القاضي شاهدين على كتابه ، ولم يقرأه عليهما ولا عرفهما بما فيه .

فقال مالك : يجوز ذلك ، ويلزم القاضي المكتوب إليه قبوله ، ويقول الشاهدان له : هذا كتابه دفعه إلينا مختوما ، وهذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد . [ ص: 177 ]

وقال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور : إذا لم يقرأه عليهما القاضي : لم يعمل القاضي المكتوب إليه بما فيه ، وهو إحدى الروايتين عن مالك . وحجتهم : أنه لا يجوز أن يشهد الشاهد إلا بما يعلم . وأجاب الآخرون بأنهما لم يشهدا بما تضمنه ، وإنما شهدا بأنه كتاب القاضي وذلك معلوم لهما ، والسنة الصريحة تدل على صحة ذلك ، وتغير أحوال الناس وفسادها يقتضي العمل بالقول الآخر ، وقد يثبت عند القاضي من أمور الناس ما لا يحسن أن يطلع عليه كل أحد ، مثل الوصايا التي يتخون الناس فيها ، ولهذا يجوز عند مالك وأحمد - في إحدى الروايتين - أن يشهدا على الوصية المختومة ، ويجوز عند مالك . أن يشهدا على الكتاب المدرج ، ويقولا للحاكم : نشهد على إقراره بما في هذا الكتاب ، وإن لم يعلما بما أقرا ، والجمهور لا يجيزون الحكم بذلك .

قال المانعون من العمل بالخطوط : الخطوط قابلة للمشابهة والمحاكاة ، وهل كانت قصة عثمان ومقتله إلا بسبب الخط ؟ فإنهم صنعوا مثل خاتمه ، وكتبوا مثل كتابه ، حتى جرى ما جرى ، ولذلك قال الشعبي : لا تشهد أبدا إلا على شيء تذكره ، فإنه من شاء انتقش خاتما ، ومن شاء كتب كتابا . قالوا : وأما ما ذكرتم من الآثار : فنعم ، هاهنا أمثالها ، ولكن كان ذاك إذ الناس ناس ، وأما الآن : فكلا ولما ، وإذا كان الأمر قد تغير في زمن مالك وابن أبي ليلى ، حتى قال مالك : كان من أمر الناس القديم إجازة الخواتم ، حتى أن القاضي ليكتب للرجل الكتاب ، فما يزيد على ختمه ، حتى اتهم الناس ، فصار لا يقبل إلا شاهدان .

وقال محمد بن عبد الحكم : لا يقضى في دهرنا هذا بالشهادة على الخط ، لأن الناس قد أحدثوا ضروبا من الفجور ، وقد كان الناس فيما مضى يجيزون الشهادة على خاتم كتاب القاضي .

فإن قيل : فما تقولون في الدابة يوجد على فخذها " صدقة " أو " وقف " أو " حبس " هل للحاكم أن يحكم بذلك ؟ .

قيل : نعم ، له أن يحكم به وصرح به أصحاب مالك ، فإن هذه أمارة ظاهرة ، ولعلها أقوى من شهادة الشاهد ، وقد ثبت في " الصحيحين " من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : { غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه ، فوافيته في يده الميسم يسم إبل الصدقة } ، وللإمام أحمد عنه قال : { دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسم غنما في آذانها } . [ ص: 178 ]

وروى مالك في " الموطإ " عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : " إن في الظهر ناقة عمياء ، فقال عمر : ادفعها إلى أهل البيت ينتفعون بها ، قال : فقلت : هي عمياء ، فقال عمر : يقطرونها بالإبل ، قال : فقلت : كيف تأكل من الأرض ؟ قال : فقال عمر : أمن نعم الجزية هي ، أم من نعم الصدقة ؟ فقلت : من نعم الجزية ، فقال عمر : أردتم والله أكلها ; فقلت : إن عليها وسم الجزية " ، ولو لا أن الوسم يميز الصدقة من غيرها ، ويشهد لما هو وشم عليه ; لم تكن فيه فائدة بل لا فائدة للوسم إلا ذلك ; ومن لم يعتبر الوسم فلا فائدة فيه عنده .

فإن قيل : فما تقولون في الدار يوجد على بابها أو حائطها الحجر مكتوبا فيه " إنها وقف " أو " مسجد " هل يحكم بذلك ؟ .

قيل : نعم ; يقضى به ; ويصير وقفا ; صرح به بعض أصحابنا ; وممن ذكره الحارثي في " شرحه " فإن قيل : أليس يجوز أن ينقل الحجر إلى ذلك الموضع ؟ .

قيل : جواز ذلك كجواز كذب الشاهدين ; بل هذا أقرب ; لأن الحجر المشاهد جزء من الحائط داخل فيه ; ليس عليه شيء من أمارات النقل ; بل يقطع غالبا بأنه بني مع الدار ; ولا سيما إذا كان حجرا عظيما وضع عليه الحائط ; بحيث يتعذر وضعه بعد البناء ; فهذا أقوى من شهادة رجلين ; أو رجل وامرأتين .

فإن قيل : فما تقولون في كتب العلم يوجد على ظهرها وهوامشها كتابة الوقف ، هل للحاكم أن يحكم بكونها وقفا بذلك ؟ .

قيل : هذا يختلف باختلاف قرائن الأحوال ، فإذا رأينا كتبا مودعة في خزانة ، وعليها كتابة " الوقف " وهي كذلك مدة متطاولة ، وقد اشتهرت بذلك : لم نسترب في كونها وقفا ; وحكمها حكم المدرسة التي عهدت لذلك ; وانقطعت كتب وقفها أو فقدت ، ولكن تعالم الناس على تطاول المدة كونها وقفا ، فتكفي في ذلك الاستفاضة ، فإن الوقف يثبت بالاستفاضة ، وكذلك مصرفه ، وأما إذا رأينا كتابا لا نعلم مقره ولا عرف من كتب عليه الوقف ، فهذا يوجب التوقف في أمره ، حتى يتبين حاله .

والمعول في ذلك على القرائن ، فإن قويت حكم بموجبها ، وإن ضعفت لم يلتفت إليها ، وإن توسطت : طلب الاستظهار ، وسلك طريق الاحتياط ، وبالله التوفيق . [ ص: 179 ]

وقد قال أصحاب مالك - في الرجلين يتنازعان في حائط - فينظر إلى عقده ، ومن له عليه خشب أو سقف ، وما أشبه ذلك مما يرى بالعين : يقضى به لصاحبه ، ولا يكلف الطالب البينة ، وكذلك القنوات التي تشق الدور والبيوت إلى مستقرها إذا سدها الذي شقت داره ، وأنكر أن يكون عليها مجرى لأحد ، فإذا نظروا إلى القناة التي شقت داره ، وشهدوا بذلك عند القاضي ، ولم يكن عنده في شهادة الشهود الذين وجههم لذلك مدفع : ألزموه مرور القناة على داره ، ونهي عن سدها ، ومنع منه . قالوا : فإذا نظروا في القناة تشق داره إلى مستقرها - وهي قناة قديمة ، والبنيان فيها ظاهر ، حتى تصب في مستقرها - فللحاكم أن يلزمه بمرور القناة كما وجدت في داره .

وقال ابن القاسم - فيما رواه ابن عبد الحكم عنه : إذا اختلف الرجلان في جدار بين داريهما - كل يدعيه - فإن كان عقد بنائه إليهما فهو بينهما ، وإن كان معقودا إلى أحدهما ومنقطعا عن الآخر ، فهو إلى من إليه العقد ، وإن كان منقطعا بينهما جميعا فهو بينهما ، وإن كان لأحدهما فيه كوى ، ولا شيء للآخر فيه ; وليس بمنعقد إلى واحد منهما ; فهو إلى من إليه مرافقه ; وإن كانت فيه كوى لكليهما فهو بينهما ; وإن كانت لأحدهما عليه خشب ; ولا عقد فيه لواحد منهما ; فهو لمن له عليه الحمل ; فإن كان عليه حمل لهما جميعا فهو بينهما .

والمقصود : أن الكتابة على الحجارة والحيوان وكتب العلم أقوى من هذه الأمارات بكثير ; فهي أولى أن يثبت بها حكم تلك الكتابة ; ولا سيما عند عدم المعارض ; وأما إذا عارض ذلك بينة لا تتهم ، ولا تستند إلى مجرد التبديل بذكر سبب الملك واستمراره ، فإنها تقدم على هذه الأمارات .

وأما إن عارضها مجرد اليد : لم يلتفت إليها ; فإن هذه الأمارات بمنزلة البينة والشاهد ، واليد ترفع بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية