صفحة جزء
112 - ( فصل )

والمقصود : أن هذه أحكام شرعية : لها طرق شرعية ، لا تتم مصلحة الأمة إلا بها ، ولا تتوقف على مدع ومدعى عليه ، بل لو توقفت على ذلك : فسدت مصالح الأمة ، واختل النظام ، بل يحكم فيها متولي ذلك بالأمارات والعلامات الظاهرة والقرائن البينة .

ولما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية فإن " الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " فإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور . والعقوبة تكون على فعل محرم ، أو ترك واجب .

والعقوبات - كما تقدم - منها ما هو مقدر ، ومنها ما هو غير مقدر ، وتختلف مقاديرها [ ص: 223 ] وأجناسها وصفاتها باختلاف أحوال الجرائم ، وكبرها ، وصغرها ، وبحسب حال المذنب في نفسه . والتعزير : منه ما يكون بالتوبيخ ، وبالزجر وبالكلام ، ومنه ما يكون بالحبس ، ومنه ما يكون بالنفي ، ومنه ما يكون بالضرب .

وإذا كان على ترك واجب - كأداء الديون ، والأمانات ، والصلاة ، والزكاة - فإنه يضرب مرة بعد مرة ، ويفرق الضرب عليه يوما بعد يوم ، حتى يؤدي الواجب .

وإن كان ذلك على جرم ماض : فعل منه مقدار الحاجة . وليس لأقله حد ، وقد تقدم الخلاف في أكثره ، وأنه يسوغ بالقتل إذا لم تندفع المفسدة إلا به ، مثل قتل المفرق لجماعة المسلمين ، والداعي إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

وفي " الصحيح " عن النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا بويع لخليفتين ، فاقتلوا الآخر منهما } .

وقال : { من جاءكم وأمركم على رجل واحد ، يريد أن يفرق جماعتكم ، فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان } . { وأمر بقتل رجل تعمد عليه الكذب ، وقال لقوم : أرسلني إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن أحكم في نسائكم وأموالكم } . وسأله " ابن الديلمي " عمن لم ينته عن شرب الخمر ؟ فقال : { من لم ينته عنها فاقتلوه } . { وأمر بقتل شاربها بعد الثالثة ، أو الرابعة } ( 35 ) . [ ص: 224 ] { وأمر بقتل الذي تزوج امرأة أبيه } . { وأمر بقتل الذي اتهم بجاريته حتى تبين له أنه خصي } .

وأبعد الأئمة من التعزير بالقتل : أبو حنيفة ، ومع ذلك فيجوز التعزير به للمصلحة ، كقتل المكثر من اللواط ، وقتل القاتل بالمثقل .

ومالك : يرى تعزير الجاسوس المسلم بالقتل ، ووافقه بعض أصحاب أحمد ، ويرى أيضا هو وجماعة من أصحاب أحمد والشافعي : قتل الداعية إلى البدعة .

وعزر أيضا بالهجرة ، وعزر بالنفي ، كما أمر بإخراج المخنثين من المدينة ونفيهم ، وكذلك الصحابة من بعده ، كما فعل عمر رضي الله عنه بالأمر بهجر صبيغ ، ونفي نصر بن حجاج .

التالي السابق


الخدمات العلمية