سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

روى مسلم عن سلمة بن الأكوع ، والبيهقي عن ابن عباس ، وابن سعد ، والبيهقي ، والحاكم عن أبي عمرة الأنصاري ، والبزار ، والطبراني ، والبيهقي عن أبي خنيس الغفاري ، ومحمد بن عمر عن شيوخه ، يزيد بعضهم على بعض : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انصرف من « الحديبية » نزل بمر «الظهران» ثم نزل «بعسفان» وأرملوا من الزاد ، فشكا الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم قد بلغوا من الجوع الجهد ، وفي الناس ظهر ، فقالوا : ننحره يا رسول الله ، وندهن من شحومه ونتخذ من جلوده أحذية فأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبر بذلك عمر بن الخطاب فجاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله لا تفعل ، فإن يكن في الناس بقية ظهر يكن أمثل ، كيف بنا إذا نحن لقينا العدو غدا جياعا رجالا ؟ ! ولكن إن رأيت أن تدعو الناس ببقايا أزوادهم فتجمعها ثم تدعو فيها بالبركة فإن الله سيبلغنا بدعوتك ، ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس ببقايا أزوادهم وبسط نطعا فجعل الناس يجيئون بالحفنة من الطعام وفوق ذلك ، فكان أعلاهم من جاء بصاع تمر ، فاجتمع زاد القوم على النطع ، قال سلمة : فتطاولت لأحرركم هو فحررته كربضة عنز ونحن أربع عشرة مائة ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا بما شاء الله أن يدعو ، فأكلوا حتى شبعوا ، ثم حشوا أوعيتهم ، وبقي مثله ،

فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه ، وقال : «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، والله لا يلقى الله - تعالى - عبد مؤمن بهما إلا حجب من النار» .

ثم أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرحيل ، فلما ارتحلوا أمطروا ما شاءوا وهم صائفون ، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزلوا ، فشربوا من ماء السماء .

ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخطبهم ، فجاء ثلاثة نفر فجلس اثنان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وذهب واحد معرضا ،

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ألا أخبركم عن الثلاثة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : أما واحد فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الآخر فتاب فتاب الله عليه ، أما الثالث فأعرض . فأعرض الله عنه»
.

وروى البيهقي عن عروة قال : قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راجعا فقال رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما هذا بفتح ، لقد صددنا عن البيت وصد هدينا . ورد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلين من المؤمنين كانا خرجا إليه ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : «بئس الكلام ، بل هو أعظم الفتح ، قد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم . ويسألوكم القضية ، ويرغبون إليكم في الأمان ، ولقد رأوا منكم ما كرهوا ، وأظفركم الله - تعالى - عليهم وردكم سالمين مأجورين فهو أعظم الفتح ، أنسيتم يوم أحد ؟ إذ تصعدون ولا تلوون على أحد ، وأنا [ ص: 59 ]

أدعوكم في أخراكم!! أنسيتم يوم الأحزاب ؟ إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا

!! فقال المسلمون : صدق الله ورسوله ، فهو أعظم الفتوح ، والله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه ، ولأنت أعلم بالله وبالأمور منا .


التالي السابق


الخدمات العلمية