سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الخامس والعشرون : الحكمة في قطع عمر الشجرة في إخفاء مكانها أنه لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير ، فلو سبقت لما أمن من تعظيم الجهال لها حتى ربما أفضى بهم أن لها قوة نفع وضر كما نراه الآن شاهدا فيما دونها ، وإلى ذلك أشار عمر بقوله : «كانت رحمة من الله» ، أي كان إخفاؤها بعد ذلك رحمة من الله تعالى ، ويحتمل أن يكون معنى قوله «رحمة من الله» أي كانت الشجرة موضع رحمته ومحل رضوانه لإنزاله الرضى على المؤمنين عندها . وقول المسيب والد سعيد أنسيناها ، وفي لفظ نسيناها ، أي نسينا موضعها بدليل قوله :

فلم نقدر عليها .

وفي رواية عند الإسماعيلي فعمي علينا مكانها . وقول المسيب وابن عمر : إنهما لم يعلما مكانها ، لا يدل على عدم معرفتها أصلا ، فقد قال جابر كما في الصحيح : لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة ، فهذا يدل على أنه كان يضبط مكانها بعينه ، وإذا كان في آخر عمره بعد الزمان الطويل يضبط موضعها ، ففيه دلالة على أنه كان يعرفها بعينها ، قبل أن يقطعها عمر - رضي الله عنه .

السادس والعشرون : جزم ابن إسحاق وابن سعد والجمهور بأن مدة الصلح عشر سنين ، ورواه الحاكم عن علي - رضي الله عنه - ووقع في مغازي ابن عائذ في حديث ابن عباس وغيره أنها كانت سنتين ، وكذا وقع عند ابن عقبة ، ويجمع بأن الذي قاله ابن إسحاق هي المدة التي وقع الصلح فيها حتى وقع نقضه على يد قريش كما سيأتي بيانه في غزوة الفتح .

وأما ما وقع في كامل ابن عدي ومستدرك الحاكم ، والأوسط للطبراني من حديث ابن عمر أن مدة الصلح كانت أربع سنين ، فهو مع ضعف إسناده منكر مخالف للصحيح .

السابع والعشرون : الذي كتب كتاب الصلح بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين سهيل ، علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كما رواه البخاري في كتاب الصلح عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - ، وعمر بن شبة من حديث سلمة بن الأكوع ، وإسحاق بن راهويه عن الزهيري . وروى عمر بن شبة عن عمرو بن سهيل بن عمرو عن أبيه قال : الكتاب عندنا كتبه محمد بن مسلمة ، ويجمع بأن أصل كتاب الصلح ، بخط علي - رضي الله عنه - كما في الصحيح ، ونسخ مثله محمد بن مسلمة لسهيل بن عمرو ، وقال الحافظ : ومن الأوهام ما ذكر [ ص: 77 ]

عمر بن شبة بعد أن روى أن اسم كاتب الكتاب بين المسلمين وقريش علي بن أبي طالب من طرق ، ثم روى من طريق آخر أن اسم الكاتب محمد بن مسلمة ، ثم قال : حدثنا يزيد بن عائشة يزيد بن عبيد الله بن محمد التيمي قال : كان اسم هشام بن عكرمة بغيضا ، وهو الذي كتب الصحيفة فشلت يده فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هشاما .

قال الحافظ : وهو غلط فاحش ، فإن الصحيفة التي كتبها هشام بن عكرمة هي التي اتفقت عليها قريش لما حصروا بني هاشم وبني عبد المطلب في الشعب ، وذلك بمكة قبل الهجرة - أي كما سبق ، فتوهم عمر بن شبة أن المراد بالصحيفة كتاب القصة التي وقعت بالحديبية ، وليست كذلك ، بل بينهما نحو عشر سنين .

الثامن والعشرون : وقع في بعض طرق حديث البراء بعد أن ذكر امتناع علي - رضي الله عنه - من محو «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم» فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب «هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله» إلى آخره ، وسيأتي الكلام على ذلك في الخصائص إن شاء الله تعالى .

التاسع والعشرون : امتناع علي - رضي الله عنه - من محو لفظ «رسول الله صلى الله عليه وسلم» من باب الأدب المستحب ، لأنه لم يفهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - تحتيم محو علي بنفسه ، ولهذا لم ينكر عليه ، ولو تحتم محوه بنفسه لم يجز لعلي تركه ، ولما أقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على المخالفة . وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - «فإن لك مثلها - تعظيما - وأنت مضطهد» : أي مقهور ، معجزة ظاهرة لما وقع لعلي - رضي الله عنه - في التحكيم كما سيأتي في ترجمته .

التالي السابق


الخدمات العلمية