سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطلب العدو

قال محمد بن عمر ، وابن سعد :

خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة الأربعاء راكبا مقنعا في الحديد .

قال ابن هشام : واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم .

قال : وخلف سعد بن عبادة - رضي الله عنه - في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة .

قال ابن إسحاق : ولما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون بحبيب مسجى ببرد أبي قتادة استرجعوا ، وقالوا : قتل أبو قتادة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ليس بأبي قتادة ، ولكنه قتيل لأبي قتادة ، وضع عليه برده لتعرفوا أنه صاحبه» .

قال ابن سعد قال سلمة لحقنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخيول عشاء قال أبو قتادة - رضي الله عنه - في حديثه السابق : وأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من أصحابه ، فلما نظر إليهم العسكر فروا قال : فلما انتهوا إلى موضع المعسكر إذا بفرس أبي قتادة قد عرقبت

فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله!! قد عرقبت فرس أبي قتادة ، قال : فوقف عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم فقال :

«ويح أمك ، رب عدو لك في الحرب» مرتين . ثم أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حتى إذا [ ص: 101 ] انتهوا إلى الموضع الذي تعالجنا فيه إذا هم بأبي قتادة - فيما يرون مسجى في ثيابه ، فقال رجل من الصحابة : يا رسول الله ، قد استشهد أبو قتادة ، قال ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «رحم الله أبا قتادة ، والذي أكرمني بما أكرمني به أن أبا قتادة على آثار القوم يرتجز» . فدخلهم الشيطان أنهم ينظرون إلى فرسي قد عرقبت ، وينظرون إليه مسجى عليه ثيابي .

قال : فخرج عمر بن الخطاب وأبو بكر - رضي الله عنهما - يسعيان حتى كشف الثوب ، فإذا وجه مسعدة ، فقالا : الله أكبر ، صدق الله ورسوله ، مسعدة يا رسول الله . فكبر الناس ، ولم ينشب أن طلع عليهم أبو قتادة يحوش اللقاح ،

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أفلح وجهك يا أبا قتادة ، أبو قتادة سيد الفرسان ، بارك الله فيك يا أبا قتادة» .

قال : قلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، سهم أصابني ، والذي أكرمك بما أكرمك ، وفي ولدك وفي ولد ولدك - وأحسب عكرمة قال وفي ولد ولد ولدك . ما هذا بوجهك يا أبا قتادة ؟ قد ظننت أني قد نزعته ، قال : «ادن مني يا أبا قتادة» قال : فدنوت منه . قال : فنزع النصل نزعا رفيقا ، ثم بزق فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضع راحته عليه ، فو الذي أكرم محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالنبوة ما ضرب علي ساعة قط ، ولا قرح قط علي .


وروى محمد بن عمر وابن سعد عن أبي قتادة قال : لما أدركني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اللهم بارك له في شعره وبشره ، وقال : أفلح وجهك ، قلت : ووجهك يا رسول الله ، قال :

«قتلت مسعدة» ؟ قلت : نعم ،
وذكر نحو ما تقدم قال : فمات أبو قتادة وهو ابن سبعين سنة وكأنه ابن خمس عشرة سنة .

وذهب الصريخ إلى بني عمرو بن عوف ، فجاءت الأمداد ، فلم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم والإبل ، والقوم يعتقبون البعير والحمار حتى انتهوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي قرد قال ابن إسحاق : واستنقذوا عشر لقاح زاد - فيها جمل لأبي جهل ، وأفلت القوم بعشر .

وكانت راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العقاب ، يحملها سعد بن زيد ، وكان شعارهم أمت أمت .

وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ صلاة الخوف ، وسيأتي بيانها في أبواب صلاته - صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف . [ ص: 102 ]

وقال سلمة : ولحقني عمي بسطيحة فيها مذقة من لبن ، وسطيحة فيها ماء فتوضأت وشربت .

وروى ابن سعد عنه قال : لحقنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخيول عشاء انتهى .

قال سلمة : فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على الماء الذي أجليتهم عنه ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ تلك الإبل ، وكل ما قد استنقذته من المشركين ، وكل رمح وبردة ، وإذا بلال نحر ناقة من الإبل التي استنقذت من القوم ، وشوى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سنامها وكبدها فقلت : يا رسول الله!! قد حميت القوم الماء ، وهم عطاش خلفي ، فانتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم فلا يبقى مخبر إلا قتلته . فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه في ضوء النار ، وقال : «يا سلمة أتراك كنت فاعلا ؟ » قلت : نعم . والذي أكرمك . فقال : «ملكت فأسجح ، إنهم ليغبقون» وفي لفظ ليقرون في أرضغطفان» ،

فجاء رجل من غطفان وقال :

نحر لهم فلان جزورا ، فلما كشطوا جلدها رأوا غبارا ، قالوا : أتاكم القوم ، فخرجوا هاربين .


قال ابن إسحاق : وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه في كل مائة جزورا .

وأقام - صلى الله عليه وسلم - بذي قرد يوما وليلة يتحسب الخبر .

وفي حديث سلمة أنهم كانوا خمسمائة .

قال ابن إسحاق ، ومحمد بن عمر ، وابن سعد : ويقال سبعمائة ، وبعث سعد بن عبادة - رضي الله عنه - بأحمال تمر ، وبعشر جزائر فوافت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي قرد ،

قال سلمة : فلما أصبحنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «خير فرساننا اليوم أبو قتادة ، وخير رجالتنا سلمة» .

ثم أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهم الفارس والراجل فجمعهما لي جميعا ، ثم أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة ، فلما كان بينها وبينه قريب من ضحوة ، وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يسبق ، فجعل ينادي : هل من يسابق ؟ إلي رجل يسابق إلى المدينة ، فعل ذلك مرارا ،

وأنا وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مردفي ، قلت له : أما تكرم كريما ، ولا تهاب شريفا ؟ قال : لا ، إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي خلني فلأسابق الرجل ، قال : «إن شئت» قلت : أذهب ، فطفر عن راحلته ، وثنيت رجلي ، فطفرت عن الناقة ، ثم ارتبطت عليه شرفا أو شرفين ، يعني استبقيت نفسي ، ثم عدوت حتى ألحقه ، فأصك بين كتفيه بيدي ، وقلت : سبقتك والله ، فضحك وقال : والله إن أظن ، فسبقته حتى قدمنا المدينة ، فلم نلبث إلا ثلاثا حتى خرجنا إلى خيبر .
[ ص: 103 ]

قال محمد بن عمر وابن سعد : ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة يوم الاثنين ، وقد غاب خمس ليال .

وروى الزبير بن بكار عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي قال : مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة ذي قرد على ماء يقال له بيسان ، فسأل عنه ، فقيل : اسمه يا رسول الله بيسان - وهو مالح - فقال : «بل هو نعمان وهو طيب» فغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاسم - وغير الله عز وجل الماء ، فاشتراه طلحة ، فتصدق به

التالي السابق


الخدمات العلمية