سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر وصول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر

قال محمد بن عمر : ثم سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتهى إلى المنزلة ، وهي سوق لخيبر ، صارت في سهم زيد بن ثابت - رضي الله عنه - فعرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها ساعة من الليل ، وكانت يهود لا يظنون قبل ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزوهم لمنعتهم وسلاحهم وعددهم ، فلما أحسوا بخروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم قاموا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا ، ثم يقولون : محمد يغزونا هيهات هيهات!! وكان ذلك شأنهم ، فلما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس ، فأصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم غادين معهم المساحي ، والكرازين والمكاتل ، فلما نظروا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولوا هاربين إلى حصونهم .

وروى الإمام الشافعي ، وابن إسحاق ، والشيخان من طرق عن أنس - رضي الله عنه - قال : سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر ، فانتهى إليها ليلا ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا طرق قوما بليل لم يغر عليهم حتى يصبح ، فإذا سمع أذانا أمسك ، وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم حتى يصبح ، فصلينا الصبح عند خيبر بغلس ، فلم نسمع أذانا ، فلما أصبح ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركب معه المسلمون وأنا رديف أبي طلحة ، فأجرى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فانحسر عن فخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإني لأرى بياض فخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن قدمي لتمس قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 119 ] وخرج أهل القرية إلى مزارعهم بمكاتلهم ومساحيهم ، فلما رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا : محمد والخميس . فأدبروا هربا .

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفع يديه : «الله أكبر ، خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين»
.

وروى الترمذي وابن ماجة والبيهقي ، بسند ضعيف عن أنس - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر على حمار مخطوم برسن من ليف ، وتحته إكاف من ليف .

قال ابن كثير : الذي ثبت في الصحيح ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جرى في زقاق خيبر حتى انحسر الإزار عن فخذه فالظاهر أنه كان يومئذ على فرس لا على حمار ، قال : ولعل هذا الحديث - إن كان صحيحا - محمول على أنه ركبه في بعض الأيام ، وهو محاصرها .

قال محمد بن عمر - رحمه الله - وجاء الحباب - بضم الحاء المهملة ، وموحدتين ابن المنذر - رضي الله عنه - فقال : يا رسول الله إنك نزلت منزلك هذا ، فإن كان من أمر أمرت به فلا نتكلم ، وإن كان الرأي تكلمنا . فقال - صلى الله عليه وسلم - «هو الرأي» فقال : يا رسول الله . دنوت من الحصون ، ونزلت بين ظهري النخل ، والنز مع أن أهل النطاة لي بهم معرفة ، ليس قوم أبعد مدى سهم منهم ، ولا أعدل رمية منهم ، وهم مرتفعون علينا ، ينالنا نبلهم ، ولا نأمن من بياتهم ، يدخلون في خمر النخل فتحول يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى موضع بريء من النز ومن الوباء نجعل الحرة بيننا وبينهم حتى لا تنالنا نبالهم ونأمن من بياتهم ونرتفع من النز ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أشرت بالرأي ، ولكن نقاتلهم هذا اليوم» .

ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - فقال : انظر لنا منزلا بعيدا من حصونهم بريئا من الوباء ، نأمن فيه من بياتهم ، فطاف محمد حتى أتى الرجيع ، ثم رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله وجدت لك منزلا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «على بركة الله»
.

التالي السابق


الخدمات العلمية