سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر فتحه - صلى الله عليه وسلم - حصن الصعب بن معاذ بن النطاة وما وقع في ذلك من الآيات

لم يكن بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا وماشية ومتاعا منه ، وكان فيه خمسمائة مقاتل ، وكان الناس قد أقاموا أياما يقاتلون ليس عندهم طعام إلا العلق .

وروى محمد بن عمر عن أبي اليسر كعب بن عمر - رضي الله عنه - : أنهم حاصروا حصن الصعب بن معاذ ثلاثة أيام ، وكان حصنا منيعا ، وأقبلت غنم لرجل من يهود ترتع وراء حصنهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من رجل يطعمنا من هذه الغنم» ؟ فقلت : أنا يا رسول الله فخرجت أسعى مثل الظبي ، وفي لفظ : مثل الظليم ، فلما نظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موليا قال : «اللهم متعنا به» فأدركت الغنم

- وقد دخل أولها الحصن - فأخذت شاتين من آخرها فاحتضنتهما تحت يدي ، ثم أقبلت أعدو كأن ليس معي شيء ، حتى انتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر بهما فذبحتا ، ثم قسمهما ، فما بقي أحد من العسكر الذين معه محاصرين الحصن إلا أكل منهما ، فقيل لأبي اليسر : كم كانوا ؟ قال : كانوا عددا كثيرا .


وروى ابن إسحاق عن بعض من أسلم ، ومحمد بن عمر - رحمه الله - عن معتب - بكسر الفوقية المشددة - الأسلمي - رضي الله عنه - واللفظ له ، قال : أصابتنا معشر أسلم مجاعة حين قدمنا خيبر ، وأقمنا عشرة أيام على حصن النطاة لا نفتح شيئا فيه طعام ، فأجمعت أسلم أن أرسلوا أسماء بن حارثة - بالحاء المهملة والثاء المثلثة ، فقالوا ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقل له : إن أسلم يقرئونك السلام ، ويقولون : إنا قد جهدنا من الجوع والضعف ، فقال بريدة بن الحصيب - بضم الحاء ، وفتح الصاد المهملتين : والله إن رأيت كاليوم قط من بين العرب يصنعون هذا ، فقال زيد بن حارثة أخو أسماء : والله إني لأرجو أن يكون هذا البعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الخير

فجاءه أسماء فقال : يا رسول الله إن أسلم تقرأ عليك السلام ، وتقول إنا قد جهدنا من الجوع والضعف ، فادع الله لنا فدعا لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : [ ص: 122 ] «والله ما بيدي ما أقويهم به ، قد علمت حالهم ، وأنهم ليست لهم قوة ، ثم قال : «اللهم فافتح عليهم أعظم حصن فيها ، أكثرها طعاما ، وأكثرها ودكا» .

ودفع اللواء إلى الحباب بن المنذر - رضي الله عنه - وندب الناس ، فما رجعنا حتى فتح الله علينا حصن الصعب بن معاذ .

قالت أم مطاع الأسلمية - رضي الله عنها - لقد رأيت أسلم حين شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شكوا من شدة الحال ، فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس فنهضوا ، فرأيت أسلم أول من انتهى إلى حصن الصعب بن معاذ ، فما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى فتح الله - تعالى - وما بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا منه ، وكان عليه قتال شديد .

برز رجل من يهود يقال به يوشع ، يدعو إلى البراز ، فبرز له الحباب بن المنذر ، فاختلفا ضربات فقتله الحباب ، وبرز له آخر يقال له الزيال ، فبرز له عمارة بن عقبة الغفاري ، فبادره الغفاري فضربه ضربة على هامته وهو يقول : خذها وأنا الغلام الغفاري ، فقال الناس «بطل جهاده» ، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك فقال : ما بأس به يؤجر ويحمد»
.

وروى محمد بن عمر عن محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمى بسهم فما أخطأ رجلا منهم ، وتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلي ، وانفرجوا ودخلوا الحصن .

وروى محمد بن عمر عن جابر - رضي الله عنه - أنهم وجدوا في حصن الصعب من الطعام ما لم يكونوا يظنون أنه هناك من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك .

ونادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كلوا واعلفوا ولا تحملوا ، يقول : لا تخرجوا به إلى بلادكم .


التالي السابق


الخدمات العلمية