سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر إسلام أبي قحافة عثمان بن عامر والد أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما

روى الإمام أحمد ، والطبراني برجال ثقات ، ومحمد بن عمر ، والبيهقي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - قالت : لما كان عام الفتح ، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي طوى ، قال أبو قحافة لابنة له - قال البلاذري - - اسمها أسماء ، قال محمد بن عمر تسمى :

قريبة - ضد بعيدة ، كانت من أصغر ولده : يا بنية ، أشرفي بي على أبي قبيس - وقد كف بصره - فأشرفت به عليه ، فقال : أي بنية!! ماذا ترين ؟ ” قالت : أرى سوادا مجتمعا كثيرا ، وأرى رجلا يشتد بين ذلك السواد مقبلا ومدبرا ، فقال : ذلك الرجل الوازع ، ثم قال : ماذا ترين ؟ قالت : أرى السواد قد انتشر وتفرق ، فقال : والله إذن انتشرت الخيل ، فأسرعي بي إلى بيتي ، فخرجت سريعا حتى إذا هبطت به الأبطح لقيتها الخيل ، وفي عنقها طوق لها من ورق ، فاقتلعه إنسان [ ص: 233 ] من عنقها ،

فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد ، خرج أبو بكر بأبيه - رضي الله عنهما - يقوده ، وكان رأس أبي قحافة ثغامة ، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه” ؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله ، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه ، فأجلسه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدره ، وقال : أسلم تسلم ، فأسلم ، ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال : أنشدكم بالله والإسلام طوق أختي ، فو الله ما جاء به أحد ، ثم قال الثالثة فما جاء به أحد ، فقال : يا أخية ، احتسبي طوقك ، فو الله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل .


وروى البيهقي بسند جيد قوي عن ابن وهب قال : أخبرني ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر : أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أخذ بيد أبي قحافة ، فأتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما وقف به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : غيروه ولا تقربوه سوادا .

قال ابن وهب : وأخبرني عمر بن محمد عن زيد بن أسلم : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هنأ أبا بكر بإسلام أبيه .

وروى الإمام أحمد ، وابن حبان عن أنس - رضي الله عنه - قال : جاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة يحمله حتى وضعه بين يديه فقال لأبي بكر : «لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه” - تكرمة لأبي بكر - فأسلم ورأسه ولحيته كالثغامة ، فقال غيروهما قال قتادة هو أول مخضوب في الإسلام . وروى مسلم عن جابر قال : أتي بأبي قحافة عام الفتح ورأسه ولحيته مثل الثغامة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «غيروا هذا بشيء وجنبوه السواد” .

قال البلاذري : ورمى بعض المسلمين أبا قحافة فشجه ، وأخذت قلادة أسماء ابنته ، فأدركه أبو بكر وهو يستدمي ، فمسح الدم عن وجهه انتهى .

قالوا : وجاء خالد بن الوليد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له : «لم قاتلت ، وقد نهيت عن القتال” ؟ قال : هم يا رسول الله بدءونا بالقتال ، ورشقونا النبل ، ووضعوا فينا السلاح ، وقد كففت ما استطعت ، وقد دعوتهم إلى الإسلام ، وأن يدخلوا فيما دخل فيه الناس ، فأبوا ، حتى إذا لم أجد بدا قاتلتهم فظفرنا الله - تعالى - عليهم ، فهربوا في كل وجه يا رسول الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «كف عن الطلب” قال : قد فعلت : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «قضاء الله خير” ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر إلى صلاة العصر” فخبطوهم [ ص: 234 ] ساعة ، وهي الساعة التي أحلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تحل لأحد قبله .



التالي السابق


الخدمات العلمية