سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر خطبته - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح

روى الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة عن عبد الله بن عمر بن الخطاب والبخاري في صحيحه عن مجاهد . وابن أبي شيبة وابن إسحاق عن صفية بنت شيبة ، والبيهقي عن عبد الله بن عمر ، وابن أبي شيبة عن عبد الله بن عبيدة قالوا : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج من البيت استكف له الناس ، وأشرف على الناس وقد ليط بهم حول الكعبة - وهم جلوس - قام على بابه فقال : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده” ولفظ الإمام أحمد ، ومحمد بن عمر : «الحمد لله الذي صدق وعده ، ثم اتفقوا «ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، يا معشر قريش ماذا تقولون ؟ ماذا تظنون ؟ ” قالوا : نقول خيرا ونظن خيرا ، نبي كريم ، وأخ كريم ، وابن أخ كريم ، وقد قدرت . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «فإني أقول كما قال أخي يوسف : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ؟ [يوسف 92] «اذهبوا فأنتم الطلقاء” فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ألا إن كل ربا في الجاهلية أو دم أو مأثرة أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين - وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ، ألا وفي قتيل العصا والسوط والخطأ شبه العمد الدية مغلظة مائة ناقة ، منها أربعون في بطونها أولادها ، ألا وإن الله تعالى - قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتكبرها بآبائها ، كلكم لآدم وآدم من تراب” . ثم تلا هذه الآية : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير [الحجرات 13] «يا أيها الناس!! الناس رجلان ، فبر تقي كريم وكافر شقي هين على الله ، ألا إن الله - تعالى - حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، ووضع هذين الأخشبين ، فهي حرام بحرام الله ، لم تحل لأحد كان قبلي ، ولن تحل لأحد كائن بعدي ، لم تحل لي إلا ساعة من نهار يقصرها - صلى الله عليه وسلم - بيده هكذا - ولا ينفر صيدها ، ولا يعضد عضاهها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ، ولا يختلى خلاها” فقال العباس ، [ ص: 243 ] وكان شيخا مجربا : إلا الإذخر يا رسول الله فإنه لا بد لنا منه - للقين وظهور البيوت ، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعة ثم قال : «إلا الإذخر فإنه حلال ، ولا وصية لوارث ، وإن الولد للفراش وللعاهر الحجر ، ولا يحل لامرأة أن تعطي من مال زوجها إلا بإذن زوجها ، والمسلم أخو المسلم ، والمسلمون إخوة ، والمسلمون يد واحدة على من سواهم ، تتكافأ دماؤهم ، وهم يرد عليهم أقصاهم ، ويعقل عليهم أدناهم ، ومشدهم على مضعفهم ومثريهم على قاعدهم ، ولا يقتل مسلم بكافر ، ولا ذو عهد في عهده ، ولا يتوارث أهل ملتين مختلفتين ، ولا جلب ولا جنب ، ولا تؤخذ صدقات المسلمين إلا في بيوتهم وبأفنيتهم ، ولا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها . والبينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر ، ولا تسافر امرأة مسيرة ثلاث إلا مع ذي محرم ، ولا صلاة بعد العصر ، وبعد الصبح ، وأنهاكم عن صيام يومين يوم الأضحى ويوم الفطر ، وعن لبستين ألا يحتبي أحدكم في ثوب واحد يفضي بعورته إلى السماء ، وألا يشتمل الصماء ، فقام رجل فقال : يا رسول الله إني قد عاهرت في الجاهلية ، فقال : من عاهر بامرأة لا يملكها - أو أمة قوم آخرين لا يملكها - ثم ادعى ولده بعد ذلك فإنه لا يجوز له ، ولا يرث ولا يورث - ولا أخالكم إلا قد عرفتموها يا معشر المسلمين كفوا السلاح إلا خزاعة ، عن بني بكر من ضحوة نهار الفتح إلى صلاة العصر منه - فخبطوهم ساعة - وهي الساعة التي أحلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تحل لأحد قبله ، ثم قال لهم : «كفوا السلاح فقام أبو شاة فقال : اكتب لي يا رسول الله ، فقال «اكتبوا لأبي شاة ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم” . قال الزهري - فيما رواه عبد الرزاق ، والطبراني : ثم نزل - ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه المفتاح ، فتنحى ناحية من المسجد ، فجلس عند السقاية .

قال شيوخ محمد بن عمر : وكان - صلى الله عليه وسلم - قد قبض مفتاح السقاية من العباس ، ومفتاح البيت من عثمان .

وروى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عبيدة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد خطبته عدل إلى جانب المسجد فأتي بدلو من ماء زمزم ، فغسل منها وجهه ما يقع منه قطرة إلا في يد إنسان إن كانت قدر ما يحسوها حساها وإلا مسح جلده . والمشركون ينظرون فقالوا : ما رأينا ملكا قط أعظم من اليوم . ولا قوما أحمق من القوم . [ ص: 244 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية