سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر تصديقه - صلى الله عليه وسلم - لعثمان بن طلحة قبل الهجرة بأن المفتاح سيصير بيده - صلى الله عليه وسلم - يضعه حيث شاء ونزل قوله تعالى : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها

[النساء 58]

روى ابن سعد عن إبراهيم بن محمد العبدري عن أبيه ، محمد بن عمر عن شيوخه ، قالوا : قال عثمان بن طلحة : لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة قبل الهجرة ، فدعاني إلى الإسلام فقلت : يا محمد العجب لك حيث تطمع أن أتبعك ، وقد خالفت دين قومك وجئت بدين محدث ، وكنا نفتح الكعبة في الجاهلية الاثنين والخميس ، فأقبل يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس فأغلظت عليه ونلت منه ، فحلم عني ، ثم قال : «يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت” فقلت ، لقد هلكت قريش وذلت . قال : «بل عمرت يومئذ وعزت” ، ودخل الكعبة ، فوقعت كلمته مني موقعا فظننت أن الأمر سيصير كما قال ، فأردت الإسلام فإذا قومي يزبرونني زبرا شديدا ، فلما كان يوم الفتح قال لي يا عثمان : «ائت بالمفتاح” فأتيته به . فأخذه مني ، ثم دفعه إلي وقال : «خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم ، يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته ، فكلوا مما وصل إليكم من هذا البيت بالمعروف” فلما وليت ناداني ، فرجعت إليه ، فقال : «ألم يكن الذي قلت لك ؟ فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة «لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت” فقلت : بلى . أشهد أنك رسول الله ، فقام علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة بيده فقال : يا رسول الله - اجمع لنا الحجابة مع السقاية! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أين عثمان بن طلحة ؟ فدعا فقال : «هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم بر ووفاء” قالوا : وأعطاه المفتاح ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضطبع بثوبه عليه ، وقال «غيبوه . إن الله تعالى رضي لكم بها في الجاهلية والإسلام” .

وروى الفاكهي عن جبير بن مطعم : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ناول عثمان المفتاح قال له «غيبه”

قال الزهري : فلذلك يغيب المفتاح .

وروى ابن عائذ ، وابن أبي شيبة من مرسل عبد الرحمن ابن سابط : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دفع مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة ، فقال : «خذوها خالدة مخلدة ، إني لم أدفعها إليكم ، ولكن الله - تعالى - دفعها إليكم ، ولا ينزعها منكم إلا ظالم” .

وروى ابن عائذ أيضا ، والأزرقي عن ابن جريج - رحمه الله - تعالى - أن عليا - رضي الله عنه - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : اجمع لنا الحجابة والسقاية فنزلت : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها [ ص: 245 ] [النساء 58] فدعا عثمان فقال : «خذوها يا بني شيبة خالدة مخلدة” .

وفي لفظ : «تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم” .

وروى الأزرقي عن جابر ومجاهد قال : نزلت هذه الآية «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها” في عثمان بن طلحة بن أبي طلحة . فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الكعبة ودخل في الكعبة يوم الفتح ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتلو هذه الآية ، فدعا عثمان ، فدفع إليه المفتاح ، وقال - صلى الله عليه وسلم - «خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله - سبحانه وتعالى - لا ينزعها منكم إلا ظالم” .

وقال عمر بن الخطاب : لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكعبة خرج وهو يتلو هذه الآية ، ما سمعته يتلوها قبل ذلك .

وروى أيضا نحوه عن سعيد بن المسيب قال : دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة يوم الفتح ، وقال : «خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا يظلمكموها إلا كافر” .

وروى عبد الرزاق والطبراني عن الزهري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج من البيت قال علي : «إنا أعطينا النبوة والسقاية ، والحجابة ، ما قوم بأعظم نصيبا منا فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته ، ثم دعا عثمان بن طلحة فدفع المفتاح إليه وقال : «غيبوه” .

وقال عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي يومئذ حين كلمه في المفتاح : «إنما أعطيتكم ما ترزؤون ، ولم أعطكم ما ترزؤون” يقول :

«أعطيتكم السقاية لأنكم تغرمون فيها ، ولم أعطكم البيت”
.

قال عبد الرزاق : أي أنهم يأخذون من هديته .

وروى عبد الرزاق عن ابن أبي مليكة : أن العباس - رضي الله عنه - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - :

يا نبي الله!! اجمع لنا الحجابة مع السقاية ، ونزل الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : «ادعوا لي عثمان بن طلحة ، فدعي له فدفع له النبي - صلى الله عليه وسلم - المفتاح ، وستر عليه ، قال : فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول من ستر عليه ، ثم قال : «خذوها يا بني طلحة لا ينتزعها منكم إلا ظالم” .

التالي السابق


الخدمات العلمية