سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر إسلام عكرمة - رضي الله عنه - ابن أبي جهل

روى محمد بن عمر عن شيوخه - رحمه الله تعالى - وإياهم : أن عكرمة - رضي الله عنه - قال : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نذر دمي يوم الفتح ، وكنت في جمع من قريش بأسفل مكة - وقد ضوى إلي من ضوى - فلقينا هناك خالد بن الوليد ، فأوقع بنا ، فهربت منه أريد والله - أن ألقي نفسي في البحر ، وأموت تائها في البلاد قبل أن أدخل في الإسلام ، فخرجت حتى انتهيت إلى الشعيبة ، وكانت زوجتي أم حكيم بنت الحارث امرأة لها عقل ، وكانت قد اتبعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، إن ابن عمي قد هرب يلقي نفسه في البحر فأمنه .

وروى ابن أبي شيبة وأبو داود ، والنسائي عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه ، والبيهقي عن عروة - رحمه الله تعالى : أن عكرمة ركب البحر فأصابتهم ريح عاصف ، فنادى عكرمة اللات والعزى ، فقال أهل السفينة : أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ، فقال عكرمة : والله لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره ، اللهم لك عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده ، فلأجدنه عفوا غفورا كريما ، فجاء وأسلم .

وروى البيهقي عن الزهري ، ومحمد بن عمر عن شيوخه : أن أم حكيم امرأة عكرمة بن أبي جهل قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله : قد ذهب عكرمة عنك إلى اليمن ، وخاف أن تقتله ، فأمنه يا رسول الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «هو آمن”

فخرجت أم حكيم في طلبه ، ومعها غلام لها رومي ، فراودها عن نفسها فجعلت تمنيه حتى قدمت به على حي من عك فاستعانتهم عليه ، فأوثقوه رباطا ، وأدركت عكرمة وقد انتهى إلى البحر ، فركب سفينة ، فجعل نوتي يقول له : أخلص أخلص ، قال : أي شيء أقول ؟ قال : قل لا إله إلا الله ، قال عكرمة : ما هربت إلا من هذا ، وإن هذا أمر تعرفه العرب والعجم حتى النواتي! ما الدين إلا ما جاء به محمد ، وغير الله قلبي ، وجاءتني أم حكيم على هذا الأمر ، فجعلت تليح إلي وتقول : يا ابن [ ص: 253 ] عم ، جئتك من عند أبر الناس ، وأوصل الناس ، وخير الناس ، لا تهلك نفسك ، فوقف لها حتى أدركته ، فقالت له : إني قد استأمنت لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمنك ، فرجع معها وقالت : ما لقيته من غلامك الرومي وأخبرته خبره فقتله وهو يومئذ لم يسلم .

فلما وافى مكة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه ، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت” فجعل عكرمة يطلب امرأته يجامعها فتأبى عليه وتقول : أنت كافر وأنا مسلمة ، فقال : إن أمرا منعك مني لأمر كبير قال ابن عقبة والزهري فيما رواه البيهقي وعروة وغيرهما : فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عكرمة وثب إليه - وما علا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رداء فرحا بعكرمة ، ثم جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقف عكرمة بين يديه ومعه زوجته متنقبة ، فقال : يا محمد!! إن هذه أخبرتني أنك أمنتني ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم «صدقت فأنت آمن” قال عكرمة : فإلام تدعو يا محمد ؟ قال : «أدعو إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتفعل وتفعل” حتى عد خصال الإسلام ، فقال عكرمة : والله ما دعوت إلا إلى خير وأمر حسن جميل ، قد كنت فينا يا رسول الله قبل أن تدعونا - إلى ما دعوتنا إليه - وأنت أصدقنا حديثا ، وأبرنا برا ، ثم قال عكرمة : فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال :

يا رسول الله : علمني خير شيء أقوله ، قال : «تقول أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله” ، قال عكرمة : ثم ماذا ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «تقول : «أشهد الله وأشهد من حضر أني مسلم مجاهد مهاجر” ، فقال عكرمة ذلك
.

التالي السابق


الخدمات العلمية