سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر ما قيل إن الملائكة قاتلت يوم حنين والرعب الذي حصل للمشركين

روى ابن أبي حاتم عن السدي الكبير - رحمه الله تعالى - في قول الله عز وجل :

وأنزل جنودا لم تروها قال : هم الملائكة وعذب الذين كفروا [التوبة 26] قال :

قتلهم بالسيف . وروى أيضا عن سعيد بن جبير - رحمه الله تعالى - قال : في يوم حنين أمد الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ، ويومئذ سمى الله تعالى الأنصار مؤمنين قال : «ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين .

وروى ابن إسحاق ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال : رأيت قبل هزيمة القوم - والناس يقتتلون - مثل البجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بين القوم ، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوت قد ملأ الوادي ، لم أشك أنها الملائكة ، ولم يكن إلا هزيمة القوم .

وروى محمد بن عمر عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن عن شيوخ من قومه من الأنصار ، قالوا : رأينا يومئذ كالبجد السود هوت من السماء ركاما ، فنظرنا فإذا رمل مبثوت ، فكنا ننفضه عن ثيابنا ، فكان نصر الله - تعالى - أيدنا به .

وروى مسدد في مسنده ، والبيهقي . وابن عساكر عن عبد الرحمن مولى أم برثن قال :

حدثني رجل كان من المشركين يوم حنين قال : لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقوموا لنا حلب شاة أن كببناهم ، فبينما نحن نسوقهم في أدبارهم إذ التقينا بصاحب البغلة - وفي رواية - إذ غشينا ، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتلقتنا عنده ، وفي رواية : إذا بيننا وبينه رجال بيض حسان الوجوه قالوا لنا : شاهت الوجوه ، ارجعوا ، فرجعنا - وكانت إياها . [ ص: 328 ]

وروى ابن مردويه ، والبيهقي ، وابن عساكر عن مصعب بن شيبة بن عثمان الحجبي عن أبيه - رضي الله عنه - قال : خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ، والله ما خرجت إسلاما ، ولكن خرجت أنفا أن تظهر هوازن على قريش ، فإني لواقف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قلت : يا رسول الله إني لأرى خيلا بلقا ، قال : «يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر” فضرب بيده في صدري وقال : «اللهم اهد شيبة” فعل ذلك ثلاث مرات - فو الله ما رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله تعالى أحب إلي منه ، فالتقى المسلمون فقتل من قتل ، ثم أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر آخذ باللجام ، والعباس آخذ بالثغر ، فنادى العباس : أين المهاجرون ، أين أصحاب سورة البقرة - بصوت عال - هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبل المسلمون والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : «أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب” فجالدوهم بالسيوف ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «الآن حمي الوطيس” .

وروى عبد بن حميد ، والبيهقي عن يزيد بن عامر السوائي - رضي الله عنه - وكان حضر يومئذ ، فسئل عن الرعب فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطست فيطن فيقول : أن كنا نجد في أجوافنا مثل هذا .

روى محمد بن عمر عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : حدثني عدة من قومي شهدوا ذلك اليوم يقولون : «لقد رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الرمية من الحصى فما منا أحد إلا يشكو القذى في عينيه ، ولقد كنا نجد في صدورنا خفقانا كوقع الحصى في الطاس ما يهدأ ذلك الخفقان ، ولقد رأينا يومئذ رجالا بيضا ، على خيل بلق ، عليهم عمائم حمر ، قد أرخوها بين أكتافهم ، بين السماء والأرض كتائب كتائب ما يليقون شيئا ، ولا نستطيع أن نتأملهم من الرعب منهم .

وروى أيضا عن ربيعة بن أبزى قال : حدثني نفر من قومي ، حضروا يومئذ قالوا : كمنا لهم في المضايق والشعاب ، ثم حملنا عليهم حملة ، ركبنا أكتافهم حتى انتهينا إلى صاحب بغلة شهباء ، وحوله رجال بيض حسان الوجوه ، فقالوا لنا : شاهت الوجوه ارجعوا . فانهزمنا ، وركب المسلمون أكتافنا ، وكانت إياها ، وجعلنا نلتفت وإنا لننظر إليهم يكدوننا فتفرقت جماعتنا في كل وجه ، وجعلت الرعدة تستخفنا حتى لحقنا بعلياء بلادنا ، فإن كنا ليحكى عنا الكلام ما ندري به ، لما كان بنا من الرعب ، وقذف الله - تعالى - الإسلام في قلوبنا .

وروى أيضا عن شيوخ من ثقيف أسلموا بعد ما كانوا حضروا ذلك اليوم قالوا : ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبنا - فيما نرى - ونحن مولون حتى إن الرجل ليدخل منا حصن الطائف وإنه ليظن أنه على أثره من رعب الهزيمة . [ ص: 329 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية