سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر ثبات أم سليم بنت ملحان ، وأم عمارة نسيبة - بفتح النون ، وكسر السين المهملة ، وسكون التحتية ، وبالموحدة : بنت كعب - رضي الله تعالى عنها .

قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى أم سليم بنت ملحان ، وكانت مع زوجها أبي طلحة ، وهي حامل بعبد الله بن أبي طلحة ، وقد خشيت أن يغر بها الجمل ، فأدنت رأسه منها ، وأدخلت يدها في خزامه مع الخطام ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أم سليم” ؟ قالت : نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أقتل المنهزمين عنك كما تقتل الذين يقاتلونك ، فإنهم لذلك أهل” فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أو يكفي الله يا أم سليم” .

وعند محمد بن عمر : «قد كفى الله تعالى عافية الله تعالى أوسع” .

وروى ابن أبي شيبة ، والإمام أحمد ، ومسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال : اتخذت أم سليم خنجرا أيام حنين ، فكان معها ، فلقي أبو طلحة أم سليم ومعها الخنجر ، فقال أبو طلحة :

ما هذا ؟ قالت : إن دنا مني بعض المشركين أبعج به بطنه ، فقال أبو طلحة : أما تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم ؟ فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله أقتل من يعدونا من الطلقاء ، انهزموا عنك فقال : «إن الله تعالى قد كفى وأحسن يا أم سليم”
.

وروى محمد بن عمر عن عمارة بن غزية قال : قلت أم عمارة : لما كان يوم حنين والناس منهزمون في كل وجه ، وكنا أربع نسوة ، وفي يدي سيف لي صارم ، وأم سليم معها خنجر قد حزمته على وسطها ، وإنها يومئذ حامل بعبد الله بن أبي طلحة ، وأم سليط ، وأم الحارث . [ ص: 331 ]

قال شيوخ محمد بن عمر : فجعلت أم عمارة تصيح يا للأنصار : أية عادة هذه . ما لكم والفرار ؟ ! قالت : وأنظر إلى رجل من هوازن على جمل أورق معه لواء يوضع جمله في أثر المسلمين ، فأعترض له فأضرب عرقوب الجمل . فيقع على عجزه وأشد عليه ، ولم أزل أضربه حتى أثبته ، وأخذت سيفا له .

ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم ، مصلت السيف بيده ، قد طرح غمده ينادي : «يا أصحاب سورة البقرة” فكر الأنصار ،

ووقفت هوازن قدر حلب ناقة فتوح ، ثم كانت إياها ، فو الله ما رأيت هزيمة قط كانت مثلها ، قد ذهبوا في كل وجه ، فرجع إلي أبنائي جميعا :

حبيب وعبد الله أبناء زيد بأسارى مكتفين ، فأقوم إليه من الغيظ فأضرب عنق واحد منهم ، وجعل الناس يأتون بالأسارى فرأيت في بني مازن ابني النجار ثلاثين أسيرا ، وكان المسلمون بلغ أقصى هزيمتهم مكة ، ثم كروا بعد وتراجعوا ، فأسهم لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جميعا ، وكانت أم الحارث الأنصارية آخذة بخطام جمل الحارث زوجها ، وكان يسمى المجسار فقالت : يا حار أتترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس يولون منهزمين ؟ ! وهي لا تفارقه ، قالت : فمر علي عمر بن الخطاب فقلت : يا عمر ما هذا ؟ قال : أمر الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية