سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر ما قيل في هذه الغزوة من الشعر

قال عباس بن مرداس السلمي يذكر قارب بن الأسود وفرازه من بني أبيه وذا الخمار وحبسه قومه للموت .


ألا من مبلغ غيلان عني وسوف إخال يأتيه الخبير     وعروة إنما أهدى جوابا
وقولا غير قولكما يسير     بأن محمدا عبدا رسول
لرب لا يضل ولا يجوز     وجدناه نبيا مثل موسى
فكل فتى يخايره مخير     وبئس الأمر أمر بني قسي
بوج إذا تقسمت الأمور     أضاعوا أمرهم ولكل قوم
أمير والدوائر قد تدور     فجئنا أسد غابات إليهم
جنود الله ضاحية تسير     تؤم الجمع جمع بني قسي
على حنق نكاد له نطير     وأقسم لو همو مكثوا لسرنا
إليهم بالجنود ولم يغوروا     فكنا أسد لية ثم حتى
أبحناها وأسلمت النصور     ويوم كان قبل لدى حنين
فأقلع والدماء به تمور     من الأيام لم تسمع كيوم
ولم يسمع به قوم ذكور [ ص: 342 ]     قتلنا في الغبار بني حطيط
على راياتها والخيل زور     ولم تك ذو الخمار رئيس قوم
لهم عقل يعاقب أو نكير     أقام بهم على سنن المنايا
وقد بانت لمبصرها الأمور     فأفلت من نجا منهم جريضا
وقتل منهم بشر كثير     ولا يغني الأمور أخو التواني
ولا الغلق الصريرة الحصور     أمانهم وحان وملكوه
أمورهم وأفلتت الصقور     بنو عوف تميج بهم جياد
أهين لها الفصافص والشعير     فلولا قارب وبنو أبيه
تقسمت المزارع والقصور     ولكن الرياسة عمموها
على يمن أشار به المشير     أطاعوا قاربا ولهم جدود
وأحلام إلى عز تصير     فإن يهدوا إلى الإسلام يلفوا
أنوف الناس ما سمر السمير     وإن لم يسلموا فهم أذان
بحرب الله ليس لهم نصير     كما حكت بني سعد وحرب
برهط بني غزية عنقفير     كأن بني معاوية بن بكر
إلى الإسلام ضائنة تخور     فقلنا أسلموا إنا أخوكم
وقد برئت من الترة الصدور     كأن القوم إذ جاءوا إلينا
من البغضاء بعد السلم عور

وقال بجير بن زهير بن أبي سلمى :


لولا الإله وعبده وليتم     حين استخف الرعب كل جبان
بالجزع يوم حيالنا أقراننا     وسوابح يكبون للأذقان
من بين ساع ثوبه في كفه     ومقطر بسنابك ولبان
والله أكرمنا وأظهر ديننا     وأعزنا بعبادة الرحمن
والله أهلكهم وفرق شملهم     وأذلهم بعبادة الشيطان

«قال ابن هشام ويروي فيها بعض الرواة” .


إذ قام عم نبيكم ووليه     يدعون يا لكتيبة الإيمان
أين الذين هم أجابوا ربهم     يوم العريض وبيعة الرضوان

«وقال عباس بن مرداس :


فإني والسوابح يوم جمع     وما يتلوا الرسول من الكتاب
لقد أحببت ما لقيت ثقيف     بجنب الشعب أمس من العذاب
[ ص: 343 ] هم رأس العدو من أهل نجد     فقتلهم ألذ من الشراب
هزمنا الجمع جمع بني قسي     وحكت بركها ببني رئاب
وصرما من هلال غادرتهم     بأوطاس تعفر في التراب
ولولا قين جمع بني كلاب     لقام نساؤهم والنقع كابي
ركضنا الخيل فيهم بين بس     إلى الأوراد تنحط بالذهاب
بذي لجب رسول الله فيهم     كتيبته تعرض للضراب

«وقال عباس بن مرداس أيضا” :


يا خاتم النباء إنك مرسل     بالحق كل هدى السبيل هداكا
إن الإله بنى عليك محبة     في خلقه ومحمدا سماكا
إن الذين وفوا بما عاهدتهم     جند بعثت عليهم الضحاكا
رجلا به درب السلاح كأنه     لما تكنفه العدو يراكا
يغشى ذوي النسب القريب وإنما     يبغي رضا الرحمن ثم رضاكا
أنبيك إني قد رأيت مكره     تحت العجاجة يدمغ الإشراكا
طولا يعانق باليدين وتارة     يقري الجماجم صارما بتاكا
[يغشى به هام الكماة ولو ترى     منه الذي عاينت كان شفاكا]
وبنو سليم معنقون أمامه     ضربا وطعنا في العدو دراكا
يمشون تحت لوائه وكأنهم     أسد العرين أردن ثم عراكا
ما يرتجون من القريب قرابة     إلا بطاعة ربهم وهواكا
هذي مشاهدنا التي كانت لنا     معروفة وولينا مولاكا

«وقال عباس بن مرداس أيضا” :


عفا مجدل من أهله فمتالع     فمطلى أريك قد خلا فالمصانع
ديار لنا يا جمل إذ جل عيشنا     رخي وصرف الدهر للحي جامع
حبيبة ألوت بها غربة النوى     لتبن فهل ماض من العيش راجع
فإن تبتغي الكفار غير ملومة     فإني وزير للنبي وتابع
دعانا إليه خير وفد علمتهم     خزيمة والمرار منهم وواسع
فجئنا بألف من سليم عليهم     لبوس لهم من نسج داود رائع
نبايعه بالأخشبين وإنما     يد الله بين الأخشبين نبايع
فجسنا مع المهدي مكة عنوة     بأسيافنا والنقع كاب وساطع
[ ص: 344 ] علانية والخيل يغشى متونها     حميم وآن من دم الجوف ناقع
ويوم حنين حين سارت هوازن     إلينا وضاقت بالنفوس الأضالع
صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا     قراع الأعادي منهم والوقائع
أمام رسول الله يخفق فوقنا     لواء كخذروف السحابة لامع
عشية ضحاك بن سفيان معتص     بسيف رسول الله والموت كانع
نذود أخانا عن أخينا ولو نرى     مصالا لكنا الأقربين نتابع
ولكن دين الله دين محمد     رضينا به فيه الهدى والشرائع
أقام به بعد الضلالة أمرنا     وليس لأمر حمه الله دافع

«وقال عباس بن مرداس أيضا” :


ما بال عينك فيها عائر سهر     مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر
عين تأوبها من شجوها أرق     فالماء يغمرها طورا وينحدر
كأنه نظم در عند ناظمة     تقطع السلك منه فهو منبتر
يا بعد منزل من ترجو مودته     ومن أتى دونه الصمان فالحفر
دع ما تقدم من عهد الشباب فقد     ولى الشباب وزار الشيب والزعر
واذكر بلاء سليم في مواطنها     وفي سليم لأهل الفخر مفتخر
قوم همو نصروا الرحمن واتبعوا     دين الرسول وأمر الناس مشتجر
لا يغرسون فسيل النخل وسطهم     ولا تحاور في مشتاهم البقر
إلا سوابح كالعقبان مقربة     في دارة حولها الأخطار والعكر
تدعى كفاف وعوف في جوانبها     وحي ذكوان لا ميل ولا ضجر
الضاربون جنود الشرك ضاحية     ببطن مكة والأرواح تبتدر
حتى رفعنا وقتلاهم كأنهم     نخل بظاهرة البطحاء منقعر
ونحن يوم حنين كان مشهدنا     للدين عزا وعند الله مدخر
إذ ركب الموت مخضرا بطائنه     والخيل ينجاب عنها ساطع كدر
تحت اللواء مع الضحاك يقدمنا     كما مشى الليث في غاباته الخدر
في مأذق من مجر الحرب كلكلها     تكاد تأفل منه الشمس والقمر
وقد صبرنا بأوطاس أسنتنا     لله تنصر من شئنا وننتصر
حتى تأوب أقوام منازلهم     لولا المليك ولولا نحن ما صدروا
فما ترى معشرا قلوا ولا كثروا     إلا قد أصبح منا فيهم أثر .

[ ص: 345 ]

وقال عباس بن مرداس أيضا :


يا أيها الرحل الذي تهوي به     وجناء مجمرة المناسم عرمس
إما أتيت على النبي فقل له     حقا عليك إذا اطمأن المجلس
يا خير من ركب المطي ومن مشى     فوق التراب إذا تعد الأنفس
إنا وفينا بالذي عاهدتنا     والخيل تقدع بالكماة وتضرس
إذ سال من أفناء بهثة كلها     جمع تظل به المخارم ترجس
حتى صبحنا أهل مكة فيلقا     شهباء يقدمها الهمام الأشوس
من كل أغلب من سليم فوقه     بيضاء محكمة الدخال وقونس
يروي القناة إذا تجاسر في الوغى     وتخاله أسدا إذا ما يعبس
يغشى الكتيبة معلما وبكفه     عضب يقد به ولدن مدعس
وعلى حنين قد وفى من جمعنا     ألف أمد بها الرسول عرندس
كانوا أمام المسلمين دريئة     والشمس يومئذ عليهم أشمس
نمضي ويحرسنا الإله بحفظه     والله ليس بضائع من يحرس
ولقد حبسنا بالمناقب محبسا     رضي الإله به فنعم المحبس
وغداة أوطاس شددنا شدة     كفت العدو وقيل منها : يا احبسوا
تدعو هوازن بالإخاوة بيننا     ثدي تمد به هوازن أيبس
حتى تركنا جمعهم وكأنه     عير تعاقبه السباع مفرس

وقال عباس بن مرداس أيضا :


نصرنا رسول الله من غضب له     بألف كمي لا تعد حواسره
حملنا له في عامل الرمح راية     يزود بها في حومة الموت ناصره
ونحن خضبناها دما فهو لونها     غداة حنين يوم صفوان شاجره
وكنا على الإسلام ميمنة له     وكان لنا عقد اللواء وشاهرة
وكنا له دون الجنود بطانة     يشاورنا في أمره ونشاوره
دعانا فسمانا الشعار مقدما     وكنا له عونا على من يناكره
جزى الله خيرا من نبي محمدا     وأيده بالنصر والله ناصره

«وقال عباس بن مرداس أيضا” :


من مبلغ الأقوام أن محمدا     رسول الإله راشد حيث يمما
دعا ربه واستنصر الله وحده     فأصبح قد وفى إليه وأنعم
[ ص: 346 ] سرينا وواعدنا قديدا محمدا     يؤم بنا أمرا من الله محكما
تمادوا بنا في الفجر حتى تبينوا     مع الفجر فتيانا وغابا مقوما
على الخيل مشدودا علينا دروعنا     ورجلا كدفاع الأتي عرمرما
فإن سراة الحي إن كنت سائلا     سليم وفيهم منهم من تسلما
وجند من الأنصار لا يخذلونه     أطاعوا فما يعصونه ما تكلما
فإن تك قد أمرت في القوم خالدا     وقدمته فإنه قد تقدما
بجند هداه الله أنت أميره     تصيب به في الحق من كان أظلما
حلفت يمينا برة لمحمد     فأكملتها ألفا من الخيل ملجما
وقال نبي المؤمنين تقدموا     وحب إلينا أن تكون المقدما
وبتنا بنهي المستدير ولم تكن     بنا الخوف إلا رغبة وتحزما
أطعناك حتى أسلم الناس كلهم     وحتى صبحنا الجمع أهل يلملما
يضل الحصان الأبلق الورد وسطه     ولا يطمئن الشيخ حتى يسوما
لدن غدوة حتى تركنا عشية     حنينا وقد سالت دوامعه دما
سمونا لهم ورد القطا زفة ضحى     وكل تراه عن أخيه قد أحجما
إذا شئت من كل رأيت طمرة     وفارسها يهوي ورمحا محطما
وقد أحرزت منا هوازن سربها     وحب إليها أن نخيب ونحرما

التالي السابق


الخدمات العلمية