سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر حثه - صلى الله عليه وسلم - على النفقة والحملان في سبيل الله تبارك وتعالى

في حديث عمران بن حصين - رضي الله عنهما - عند الطبراني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس كل يوم على المنبر فيدعو فيقول : "اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض . فلم يكن للناس قوة . [ ص: 435 ]

قال محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - حض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصدقات فجاءوا بصدقات كثيرة ، فكان أول من جاء أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - جاء بماله كله أربعة آلاف درهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هل أبقيت لأهلك شيئا ؟ " فقال : أبقيت لهم الله ورسوله . وجاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بنصف ماله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هل أبقيت لأهلك شيئا ؟ " قال : نعم مثل ما جئت به ،

وحمل العباس ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن عبادة - رضي الله عنهم - وحمل عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - مائتي أوقية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتصدق عاصم بن عدي - رضي الله عنه - بسبعين وسقا من تمر ، وجهز عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ثلث ذلك الجيش حتى أنه كان يقال : ما بقيت لهم حاجة حتى كفاهم شنق أسقيتهم .

قلت : كان ذلك الجيش زيادة على ثلاثين ألفا ، فيكون - رضي الله عنه - جهز عشرة آلاف .

وذكر أبو عمرو في الدرر ، وتبعه في الإشارة : أن عثمان حمل على تسعمائة بعير ومائة فرس بجهازها ، وقال ابن إسحاق - رحمه الله تعالى - أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها .

ونقل ابن هشام عمن يثق به : أن عثمان - رضي الله عنه - أنفق في جيش العسرة ألف دينار قلت غير الإبل والزاد وما يتعلق بذلك . قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض . وروى الإمام أحمد ، والترمذي وحسنه ، والبيهقي عن عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه - قال : جاء عثمان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بألف دينار في كمه حين جهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيش العسرة ، فصبها في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقلبها بيده ويقول : "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم يرددها مرارا .

وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند ، والترمذي ، والبيهقي عن عبد الرحمن بن خباب - بالمعجمة وموحدتين - رضي الله عنه - قال : خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحث على جيش العسرة ، فقال عثمان - رضي الله عنه - علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها ، ثم نزل مرقاة أخرى من المنبر فحث فقال عثمان - رضي الله عنه - : علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها ثم نزل مرقاة أخرى فحث فقال عثمان - رضي الله عنه - : علي مائة أخرى [ ص: 436 ] بأحلاسها وأقتابها . فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بيده - هكذا - يحركها كالمتعجب "ما على عثمان ما عمل بعد هذا اليوم" أو قال : - بعدها - .

وروى الطيالسي ، والإمام أحمد ، والنسائي عن الأحنف بن قيس - رحمه الله تعالى - قال : سمعت عثمان - رضي الله عنه - يقول لسعد بن أبي وقاص وعلي والزبير وطلحة :

أنشدكم الله ، هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "من جهز جيش العسرة غفر الله له" فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا ؟ قالوا : اللهم نعم
.

ويأتي في ترجمة عثمان - رضي الله عنه - أحاديث كثيرة في ذلك .

قال محمد بن عمر - رحمه الله : وحمل رجال ، وقوى ناس دون هؤلاء من هم أضعف منهم ، حتى إن الرجل ليأتي بالبعير إلى الرجل والرجلين فيقول : هذا البعير بيننا نعتقبه ، ويأتي الرجل بالنفقة فيعطيها بعض من يخرج حتى إن كان النساء يبعثن بما يقدرن عليه ، وحمل كعب بن عجرة واثلة بن الأسقع ، وروى أبو داود ، ومحمد بن عمر عن واثلة بن الأسقع ، - رضي الله عنه - قال : نادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، فخرجت إلى أهلي - وقد خرج أول أصحابه - فطفت في المدينة أنادي : ألا من يحمل رجلا وله سهمه ؟ فإذا شيخ من الأنصار - سماه محمد بن عمر : كعب بن عجرة - فقال : سهمه على أن تحمله عقبة وطعامه معنا ؟ فقلت : نعم ، فقال : سر على بركة الله تعالى ، فخرجت مع خير صاحب حتى أفاء الله علينا .

قال محمد بن عمر : بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة . قال :

فأصابني قلائص - قال محمد بن عمر : ستة - فسقتهن حتى أتيته بهن ، فخرج فقعد على حقيبة من حقائب إبله ثم قال : سقهن مقبلات . فسقتهن ، ثم قال : سقهن مدبرات ، فقال : ما أرى قلائصك إلا كراما ، فقلت : إنما هي غنيمتك التي شرطت لك ، قال : خذ قلائصك يا ابن أخي ، فغير سهمك أردنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية