سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر خبر المخلفين والمعذرين والبكائين

قال ابن عقبة - رحمه الله تعالى - : وتخلف المنافقون ، وحدثوا أنفسهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرجع إليهم أبدا ، فاعتذروا . وتخلف رجال من المسلمين بأمر كان لهم فيه عذر ، منهم السقيم والمعسر .

قال محمد بن عمر : وجاء ناس من المنافقين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليستأذنوه في القعود من غير علة ، فأذن لهم - وكانوا بضعة وثمانين رجلا .

وروى ابن مردويه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - استدار برسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجال من المنافقين حين أذن للجد بن قيس يستأذنون يقولون : يا رسول الله ائذن لنا فإنا لا نستطيع أن نغزو في الحر ، فأذن لهم ، وأعرض عنهم .

وجاء المعذرون من الأعراب فاعتذروا إليه فلم يعذرهم الله ، قال ابن إسحاق : وهم نفر من بني غفار ، قال محمد بن عمر ، كانوا اثنين وثمانين رجلا ، منهم ، خفاف ابن أيماء .

وروى ابن جرير ، وابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله عنه - وابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وابن إسحاق ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ عن الزهري ، ويزيد بن رومان ، وعبد الله بن أبي بكر ، وعاصم بن محمد بن عمر بن قتادة وغيرهم : أن عصابة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءوه يستحملونه ، وكلهم معسر ذو حاجة لا يحب التخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون ،

وهم سبعة ، واختلفوا في أسمائهم ، فالذي اتفقوا عليه سالم بن عمير من بني عمرو بن عوف الأوسي وعلبة - بضم العين المهملة وسكون اللام وبالموحدة - بن زيد - وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب . وهرمي - ويقال بإسقاط التحتية - ابن عبد الله - وهو بها - والذي اتفق عليه القرظي ، وابن إسحاق ، وتبعهم ابن سعد ، وابن حزم ، وأبو عمرو ، والسهيلي ولم يذكر الأخير ، والواقدي . عرباض - بكسر العين المهملة وسكون الراء وبالضاد المعجمة بن سارية بالمهملة وبالتحتية ، وجزم بذلك ابن حزم ، وأبو عمرو ، ورواه أبو نعيم عن ابن عباس ، والذي اتفق عليه القرظي وابن عقبة وابن إسحاق . عبد الله بن مغفل - بميم [ ص: 439 ] مضمومة فغين معجمة ففاء مشددة مفتوحتين - المزني ، وفي حديث ابن عباس : عبد الله بن مغفل فيهم ، وروى ابن سعد ويعقوب بن سفيان وابن أبي حاتم عن ابن مغفل قال : إني لأجد الرهط الذين ذكر الله تعالى : ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم [التوبة 92] الآية .

والذين اتفق عليهم القرظي وابن عمر : سلمة بن صخر ، ولفظ القرظي سلمان ، والذي اتفق عليه القرظي وابن عقبة : عمرو بن عنمة بفتح العين المهملة والنون - ابن عدي - وعبد الله بن عمرو المزني - حكاه ابن إسحاق قولا بدلا عن ابن مغفل ، وانفرد القرظي بذكر عبد الرحمن بن زيد أبي عبلة من بني حارثة ، وبذكر هرمي بن عمرو من بني مازن .

قال محمد بن عمر : ويقال إن عمرو بن عوف منهم .

قال ابن سعد : وفي بعض الروايات من يقول فيهم : معقل - بالعين المهملة والقاف ابن يسار ، وذكر فيهم الحاكم حرمي بن مبارك بن النجار كذا في المورد ولم أر له ذكرا في كتب الصحابة التي وقفت عليها .

وذكر ابن عائذ فيهم : مهدي بن عبد الرحمن ، كذا في العيون ، ولم أر له ذكرا فيما وقفت عليه من كتب الصحابة ، وذكر فيهم محمد بن كعب : سالم بن عمرو الواقفي ، قال ابن سعد : وبعضهم يقول : البكاءون بنو مقرن السبعة ، وهم من مزينة انتهى ، وهم : النعمان ، وسويد ، ومعقل ، وعقيل ، وسنان وعبد الرحمن والسابع لم يسم ، قيل اسمه عبد الله ، وقيل النعمان ، وقيل ضرار ، وقيل [ . . . ] وحكى ابن فتحون - قولا - أن بني مقرن عشرة فيتعين ذكر السبعة منهم .

وذكر ابن إسحاق في رواية يونس وابن عمر : أن عبلة بن زيد لما فقد ما يحمله ولم يجد عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يحمله خرج من الليل فصلى من ليلته ما شاء الله تعالى ، ثم بكى وقال : اللهم إنك أمرتنا بالجهاد ورغبت فيه ، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها في مال أو جسد أو عرض ، ثم أصبح مع الناس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أين المتصدق هذه الليلة" فلم يقم أحد ، ثم قال : "أين المتصدق فليقم" فقام إليه فأخبره ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أبشر ، فو الذي نفسي بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة" .

قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر : لما خرج البكاءون من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أعلمهم أنه لا يجد ما يحملهم عليه لقي يامين بن عمرو النضري أبا ليلى وعبد الله بن مغفل وهما يبكيان ، فقال : ما يبكيكما ؟ ، قالا : جئنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحملنا ، فلم نجد عنده ما يحملنا عليه ، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج ، ونحن نكره أن تفوتنا غزوة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهما ناضحا له ، وزود كل واحد منهما صاعين من تمر ، زاد محمد بن عمر . [ ص: 440 ]

وحمل العباس بن عبد المطلب منهم رجلين ، وحمل عثمان بن عفان منهم ثلاثة نفر بعد الذي جهز من الجيش .

التالي السابق


الخدمات العلمية