سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر صلاته - صلى الله عليه وسلم - على ذي البجادين رضي الله عنه

روى ابن إسحاق ، وابن منده عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا : كان عبد الله ذو البجادين من مزينة ، مات أبوه وهو صغير فلم يورثه شيئا ، وكان عمه ميلا فأخذه فكفله حتى كان قد أيسر ، وكانت له إبل وغنم ورقيق ، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة جعلت نفسه تتوق إلى الإسلام ولا يقدر عليه من عمه ، حتى مضت السنون والمشاهد كلها ، فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فتح مكة راجعا إلى المدينة ، فقال عبد الله ذو البجادين لعمه : يا عم قد انتظرت إسلامك فلا أراك تريد محمدا ، فائذن لي في الإسلام ، فقال : والله لئن اتبعت محمدا لا تركت بيدك شيئا كنت أعطيتكه إلا انتزعته منك حتى ثوبيك ، فقال : وأنا والله متبع محمدا ومسلم وتارك عبادة الحجر والوثن ، وهذا ما بيدي فخذه ، فأخذ كل ما أعطاه حتى جرده من إزاره ، فجاء أمه فقطعت بجادا لها باثنين فائتزر بواحد وارتدى بالآخر ،

ثم أقبل إلى المدينة فاضطجع في المسجد ، ثم صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتصفح الناس إذا انصرف من الصبح ، فنظر إليه فأنكره ، فقال "من أنت ؟ " فانتسب له ، فقال : "أنت عبد الله ذو البجادين" ثم قال : "انزل مني قريبا" فكان يكون في أضيافه ويعلمه القرآن ، حتى قرأ قرآنا كثيرا ، وكان رجلا صيتا فكان يقوم في المسجد فيرفع صوته في القراءة ، فقال عمر : يا رسول الله ألا تسمع هذا الأعرابي يرفع صوته بالقرآن حتى قد منع الناس القراءة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "دعه يا عمر : فإنه قد خرج مهاجرا إلى الله تعالى وإلى رسوله" فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك قال : يا رسول الله . ادع الله تعالى لي بالشهادة ، فقال : أبلغني بلحاء سمرة فأبلغه بلحاء سمرة ، فربطها رسول الله - صلى الله عليه وسلم . [ ص: 460 ]

على عضده ، وقال : "اللهم إني أحرم دمه على الكفار" فقال : يا رسول الله ، ليس هذا أردت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنك إذا خرجت غازيا في سبيل الله فأخذتك الحمى فقتلتك فأنت شهيد . وإذا وقصتك دابتك فأنت شهيد لا تبالي بأية كان" فلما نزلوا تبوك أقاموا بها أياما ، ثم توفي عبد الله ذو البجادين ، فكان بلال بن الحارث المزني يقول : حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع بلال المؤذن شعلة من نار عند القبر واقفا بها ، وإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر ، وإذا أبو بكر وعمر يدليانه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : "أدنيا لي أخاكما" فلما هيأه لشقه في اللحد قال : "اللهم إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه" فقال ابن مسعود : يا ليتني كنت صاحب اللحد .

وروى الطبراني برجال وثقوا ، وأبو نعيم عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة تبوك ، وكنت على خدمته ذلك ، فنظرت إلى نحي السمن قد قل ما فيه ، وهيأت للنبي - صلى الله عليه وسلم - طعاما فوضعت النحي في الشمس ، ونمت فانتبهت بخرير النحي ، فقمت فأخذت رأسه بيدي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورآني : لو تركته لسال الوادي سمنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية