سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر حديث كعب بن مالك وأصحابه - رضي الله عنهم -

روى ابن إسحاق ، وعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، والإمام أحمد ، والشيخان عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال : لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك ، غير أني كنت تخلفت عن غزوة بدر ولم يعاتب الله أحدا تخلف عنها ، إنما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ، ولقد شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ، وما أحب أن لي بها مشهد بدر ، وإن كانت بدر أذكر - وفي رواية : وإن كانت بدر أكثر ذكرا في الناس منها . كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة ، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة ، ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد غزوة إلا ورى بغيرها ، وكان يقول : "الحرب خدعة" حتى كانت تلك الغزوة ، غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حر شديد ، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعددا كثيرا ، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم - وفي لفظ أهبة عدوهم - فأخبرهم بوجهه الذي يريد ، والمسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرون - وعند مسلم يزيدون على عشرة آلاف .

وروى الحاكم في الإكليل عن معاذ - رضي الله عنه - قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة تبوك زيادة على ثلاثين ألفا ، وقال أبو زرعة الرازي : لا يجمعهم كتاب حافظ - قال الزهري : يريد الديوان ، قال كعب : فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله تعالى .

وغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الغزوة حين طابت الثمار والغلال في قيظ شديد ، في حال الخريف والناس خارفون في نخيلهم ، وتجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتجهز المسلمون معه ، فخرج في يوم الخميس وكان يحب إذا خرج في سفر جهاد أو غيره أن يخرج يوم الخميس ، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئا ، فأقول في نفسي : أنا قادر عليه ، وفي رواية : وأنا أقدر شيئا في نفسي على الجهاد وخفة الجهاد ، وأنا في ذلك أصبو إلى الظلال [ ص: 474 ] والثمار ، ولم يزل يتمادى بي الحاذ حتى اشتد بالناس الجد ، فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غاديا والمسلمون معه يوم الخميس ، ولم أقض من جهازي شيئا ، فقلت : أتجهز بعده بيوم أو يومين ، ثم ألحقهم ، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا . فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أمعن القوم وأسرعوا وتفارط الغزو ، وهممت أن أرتحل فأدركهم - وليتني فعلت - ! ! فلم يقدر لي ذلك ، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه بالنفاق ، أو رجلا ممن عذر الله - تعالى - من الضعفاء - وعند عبد الرزاق : وكان جميع من تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضعة وثمانين رجلا - ولم يذكرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ تبوك . فقال وهو جالس في القوم بتبوك : "ما فعل كعب بن مالك ؟ " فقال رجل من بني سلمة ، وفي رواية من قومي - قال محمد بن عمر : هو عبد الله بن أنيس السلمي - بفتح اللام - لا الجهني : يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفيه . فقال معاذ بن جبل - قال محمد بن عمر : وهو أثبت ، ويقال : أبو قتادة : بئس ما قلت ! والله يا رسول الله ما علمت عليه إلا خيرا . فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

قال كعب بن مالك : فلما بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توجه قافلا حضرني همي ، وطفقت أعد عذرا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهيئ الكلام ، وأقول : بماذا أخرج من سخطه - صلى الله عليه وسلم - غدا ، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي ، فلما قيل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أطل قادما زاح عني الباطل ، وعرفت أني لم أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب ، فأجمعت صدقه ، وعرفت أنه لا ينجيني منه إلا الصدق ، وأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قادما ،

قال ابن سعد : في رمضان ، قال كعب : وكان إذا قدم من سفر لا يقدم إلا في الضحى فيبدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم يدخل على فاطمة ثم على أزواجه ، فبدأ بالمسجد فركعهما ، ثم جلس للناس ، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ، ويحلفون له ، وكانوا بضعة وثمانين رجلا ، فقبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى ، فجئته ، فلما سلمت عليه ، تبسم تبسم المغضب ، فقال : "تعال" فجئت أمشي حتى جلست بين يديه - وعند ابن عائذ : فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا نبي الله ، لم تعرض عني ؟

فو الله ما نافقت ، ولا ارتبت ، ولا بدلت - قال كعب : فقال لي : "ما خلفك ؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟ " فقلت : بلى إني والله يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ، ولقد أعطيت جدلا ، ولكني - والله - لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله تعالى أن يسخطك علي ، ولئن حدثتك اليوم حديث صدق تجد علي فيه ، إني لأرجو فيه عفو الله عني ، لا والله ما كان لي من عذر ، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أما هذا فقد صدق ، فقم [ ص: 475 ]

حتى يقضي الله تعالى فيك ما يشاء" فقمت ، فمضيت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني ،

فقالوا : ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما اعتذر به إليه المخلفون ، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك . فو الله ما زالوا يؤنبونني ، حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ، فقلت : ما كنت لأجمع أمرين : أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكذبه ، ثم قلت لهم : هل لقي هذا معي أحد ؟ قالوا :

نعم رجلان قالا مثل ما قلت ، فقيل لهما مثل ما قيل لك ، فقلت : من هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع العمري ، وهلال بن أمية الواقفي .

وعند ابن أبي حاتم من مرسل الحسن أن سبب تخلف الأول أنه كان له حائط حين زها ، فقال في نفسه : قد غزوت قبلها فلو أقمت عامي هذا ؟ ! فلما تذكر ذنبه قال : اللهم أشهدك أني قد تصدقت به في سبيلك . وأن الثاني كان له أهل تفرقوا ثم اجتمعوا فقال : لو أقمت هذا العام عندهم . فلما تذكر قال : اللهم لك علي أن لا أرجع إلى أهلي ولا مالي .

قال كعب : فذكروا رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة ، فمضيت حين ذكروهما لي . ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا - وعند ابن أبي شيبة . فطفقنا نغدو في الناس لا يكلمنا أحد ، ولا يسلم علينا أحد ، ولا يرد علينا سلاما ، وعند عبد الرزاق وتنكر لنا الناس حتى ما هم بالذي نعرف وتنكرت لنا الحيطان حتى ما هي بالتي نعرف انتهى . ما من شيء أهم إلي من أن أموت فلا يصلي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو يموت فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد ولا يصلى على - حتى تنكرت في نفسي الأرض حتى ما هي التي أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة ، فأما صاحباي فاستكانا ، وقعدا في بيتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم ، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين ، وأطوف الأسواق فلا يكلمني أحد ، ولا يرد علي سلاما وأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في مجلسه بعد الصلاة فأسلم عليه وأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟ ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل علي ، فإذا التفت نحوه أعرض عني . حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة ، وهو ابن عمي : أي أنه من بني سلمة وليس هو ابن عمه أخو أبيه الأقرب ، قال كعب : وهو أحب الناس إلي ، فسلمت عليه فو الله ما رد علي ، فقلت له : يا أبا قتادة ، أنشدك بالله ، هل تعلمني أحب الله ورسوله ؟ فسكت ، فعدت له فنشدته فسكت [فعدت له فنشدته] فلم يكلمني ، حتى إذا كان في الثالثة أو الرابعة قال : الله ورسوله أعلم . ففاضت عيناي ، وتوليت حتى تسورت الجدار ، قال فبينما أنا أمشي في سوق المدينة إذا بنبطي من [ ص: 476 ]

أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول : من يدل على كعب بن مالك ؟ فطفق الناس يشيرون له ، حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان ، وعند ابن أبي شيبة : من بعض من بالشام كتب إلي كتابا في سرقة حرير فإذا فيه : أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك فأقصاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة ، فإن تك متحولا فالحق بنا نواسيك . فقلت : لما قرأتها : وهذا أيضا من البلاء ، قد طمع في أهل الكفر ، فتيممت بها التنور فسجرته بها .

وعند ابن عائذ : أنه شكا قدره إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : ما زال إعراضك عني حتى رغب في أهل الشرك ، قال كعب : حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتيني . قال محمد بن عمر : وهو خزيمة بن ثابت ، وهو الرسول إلى مرارة وهلاك بذلك . قال كعب : فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تعتزل امرأتك : أي عمرة بنت حمير بن صخر بن أمية الأنصارية أو خيرة - بفتح الخاء المعجمة فالتحتانية - فقلت : أطلقها أو ماذا أفعل ؟ قال : لا بل اعتزلها ولا تقربها ، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك . فقلت لامرأتي الحقي بأهلك ، فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر . قال كعب : وجاءت امرأة هلال بن أمية ، أي خولة بنت عاصم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم - وعند ابن أبي شيبة : إنه شيخ قد ضعف بصره - انتهى . فهل تكره أن أخدمه ؟ قال :

"لا ، ولكن لا يقربك" قالت : إنه والله ما به حركة إلى شيء ! ! والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا . قال كعب : فقال لي بعض أهلي : لو استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأتك كما أذن لهلال بن أمية أن تخدمه ، فقلت : والله لا أستأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يدريني ما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استأذنته فيها ، وأنا رجل شاب ، فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا .

وعند عبد الرزاق : وكانت توبتنا نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلث الليل - فقالت أم سلمة :

يا نبي الله ألا نبشر كعب بن مالك ؟ قال : إذا يحطمكم الناس ويمنعونكم النوم سائر الليلة

قال :

وكانت أم سلمة تجيئه في ثاني عشرة بأمري فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينا أنا جالس على الحال الذي ذكره الله تعالى قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت ، سمعت صوتا صارخا أوفى على جبل سلع يقول بأعلى صوته : يا كعب بن مالك ، أبشر - وعند محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - أن الذي أوفى على سلع أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فصاح : قد تاب الله - تعالى - على كعب ، يا كعب :

أبشر . وعند ابن عقبة أن رجلين سعيا يريدان كعبا يبشرانه ، فسبق أحدهما ، فارتقى المسبوق على سلع فصاح يا كعب ، أبشر بتوبة الله - تعالى - وقد أنزل الله - تعالى - عز وجل فيكم القرآن ، وزعموا أن اللذين سعيا أبو بكر وعمر ، قال كعب : فخررت ساجدا أبكي فرحا بالتوبة . [ ص: 477 ]

وعرفت أن قد جاء فرج ، وآذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتوبة الله - تعالى - علينا حين صلى صلاة الفجر ، فذهب الناس يبشروننا ، وذهب قبل صاحبي مبشرون ، وركض إلي رجل على فرس - وعند محمد بن عمر : هو الزبير بن العوام - رضي الله عنه - قال كعب : وسعى ساع من أسلم حتى أوفى على الجبل وعند محمد بن عمر : أنه حمزة بن عمرو الأسلمي : قال كعب : وكان الصوت أسرع من الفرس ، فلما جاءني الذي سمعت صوته ، وهو حمزة الأسلمي يبشرني ، نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه ، والله ما أملك غيرهما يومئذ . واستعرت ثوبين من أبي قتادة - كما عند محمد بن عمر - فلبستهما . قال : وكان الذي بشر هلال بن أمية بتوبته سعيد بن زيد ، فما ظننت أنه يرفع رأسه حتى تخرج نفسه ، أي من الجهد ، فقد كان امتنع عن الطعام حتى كان يواصل الأيام صياما لا يفتر عن البكاء ، وكان الذي بشر مرارة بن الربيع بتوبته سلكان بن سلامة أو سلامة بن وقش .

قال كعب : وانطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة ، يقولون : لتهنك توبة الله - تعالى - عليك . قال كعب : حتى دخلت المسجد ، فإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس حوله الناس ، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني .

والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة .

قال كعب : فلما سلمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يبرق وجهه من السرور [أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك] فقلت : يا رسول الله ، أمن عندك أم من عند الله ؟ قال : "لا بل من عند الله ، إنكم صدقتم الله فصدقكم الله" وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك : منه ، فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله ، إن من توبتي أن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله - تعالى - وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك" قلت : نصفه ؟ قال "لا" قلت : ثلثه ؟ قال : "نعم" قلت : فإني أمسك سهمي الذي بخيبر ، وقلت : يا رسول الله إنما نجاني الله - تعالى - بالصدق وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقا ما بقيت ، فو الله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله - تعالى - في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن مما أبلاني ، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومي هذا كذبا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله - تعالى - فيما بقيت ، فأنزل الله - تبارك وتعالى - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - : لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار إلى قوله : وكونوا مع الصادقين [التوبة 117 ، 119] فو الله ما أنعم الله علي من نعمة - بعد أن هداني للإسلام - أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا ، فإن الله تعالى قال في الذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد ، فقال تبارك وتعالى : [ ص: 478 ] سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم إلى قوله : فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين

[التوبة 95 ، 96] .

قال كعب : وكنا قد تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم ، وأرجأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا حتى قضى الله سبحانه وتعالى فيه بذلك قال الله تعالى : وعلى الثلاثة الذين خلفوا [التوبة 118] وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو وإنما تحليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه ، فقبل منه .

وروى ابن عساكر عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال : لما نزلت توبتي قبلت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية