سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر أقوام تخلفوا من غير عذر

روى ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما . والبيهقي عن سعيد بن المسيب رحمه الله - في قوله تعالى :

وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا [التوبة 102] قال ابن عباس كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك منهم : أبو لبابة ، وسمى قتادة منهم : جد بن قيس وجذام بن أوس . رواه ابن أبي حاتم .

فلما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد ، وكان ممر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رجع من المسجد عليهم ، فلما رآهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "من هؤلاء الموثقون أنفسهم" قالوا : هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله ، فعاهدوا الله ألا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم فترضى عنهم وتعذرهم ، وقد اعترفوا بذنوبهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يطلقهم ، رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين"

فلما بلغهم ذلك قالوا :

ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله تبارك وتعالى هو الذي يطلقنا ، فأنزل الله تبارك وتعالى :

وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم
[التوبة 102] وعسى من الله واجب ، إنه هو التواب الرحيم [البقرة 37] فلما نزلت أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم فأطلقهم وعذرهم .

قال ابن المسيب : فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي لبابة ليطلقه ، فأبى أن يطلقه أحد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأطلقه بيده ، فجاءوا بأموالهم فقالوا : يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما أمرت أن آخذ أموالكم"

فأنزل الله تعالى : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم يقول : استغفر لهم إن صلاتك سكن لهم [التوبة 103] [ ص: 479 ] يقول : رحمة لهم فأخذ منهم الصدقة ، واستغفر لهم وكان ثلاثة نفر منهم لم يوثقوا أنفسهم بالسواري فأرجئوا سنة لا يدرون يعذبون أو يتاب عليهم ، فأنزل الله تعالى : لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة [التوبة 117] إلى آخر الآية . وقوله : وعلى الثلاثة الذين خلفوا إلى قوله : ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم [التوبة 118] يعني استقاموا فأنزل الله تبارك - وتعالى - في شأن هذه الغزوة كثيرا من سورة براءة تقدم كثير من ذلك في محاله .

قال البيهقي : وزعم ابن إسحاق أن ارتباط أبي لبابة كان في وقعة بني قريظة ، وقد روينا عن ابن عباس وسعيد بن المسيب ما دل على أن ارتباطه كان بتخلفه في غزوة تبوك .

التالي السابق


الخدمات العلمية