سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الرابع عشر في بعثه صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس بن أسعد الجهني القضاعي الأنصاري السلمي ، بفتحتين حليف بني سلمة . من الأنصار ، رضي الله تعالى عنه إلى سفيان بن خالد [بن نبيح] بعرنة

روى أبو داود بإسناد حسن ، والبيهقي وأبو نعيم عن عبد الله بن أنيس رضي الله تعالى عنه ، ومحمد بن عمر عن شيوخه ، والبيهقي وأبو نعيم عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب ، وعن عروة قال شيوخ محمد بن عمر : خرج عبد الله بن أنيس من المدينة يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا- واللفظ لمحمد بن عمر - «بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي ثم اللحياني ، وكان ينزل عرنة وما والاها في أناس من قومه ، وغيرهم يريد أن يجمع الجموع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضوى إليه بشر كثير من أفناء الناس» .

قال عبد الله بن أنيس رضي الله تعالى عنه : «دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «إنه بلغني أن سفيان بن خالد بن نبيح يجمع لي الناس ليغزوني وهو بنخلة أو بعرنة فأته فاقتله» . فقلت : يا رسول الله صفه لي حتى أعرفه ، فقال : «آية ما بينك وبينه أنك إذا رأيته هبته وفرقت منه ووجدت له قشعريرة وذكرت الشيطان» . قال عبد الله : وكنت لا أهاب الرجال ، فقلت : يا رسول الله ، ما فرقت من شيء قط . فقال : «بلى؛ آية ما بينك وبينه ذلك أن تجد له قشعريرة إذا رأيته» . قال : واستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول . فقال : «قل ما بدا لك» . وقال : «انتسب لخزاعة» . فأخذت سيفي ولم أزد عليه ، وخرجت أعتزي لخزاعة حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشي ووراءه الأحابيش . فلما رأيته هبته وعرفته بالنعت الذي نعت لي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت : صدق الله ورسوله ، وقد دخل وقت العصر حين رأيته ، فصليت وأنا أمشي أومي برأسي إيماء . فلما دنوت منه قال : «من الرجل ؟ » .

فقلت : «رجل من خزاعة ، سمعت بجمعك لمحمد؛ فجئتك لأكون معك عليه» . قال :

«أجل إني لفي الجمع له» . فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثي وأنشدته وقلت : «عجبا لما أحدث محمد من هذا الدين المحدث ، فارق الآباء وسفه أحلامهم» . قال : «لم ألق أحدا يشبهني ولا يحسن قتاله» . وهو يتوكأ على عصا يهد الأرض . حتى انتهى إلى خبائه وتفرق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه ، وهم يطيفون به . فقال : «هلم يا أخا خزاعة»؛ فدنوت منه . فقال :

«اجلس» فجلست معه ، حتى إذا هدأ الناس ونام اغتررته .

وفي أكثر الروايات أنه قال : «فمشيت [ ص: 37 ] معه حتى إذا أمكنني حملت عليه السيف فقتلته وأخذت رأسه . ثم أقبلت فصعدت جبلا .

فدخلت غارا وأقبل الطلب من الخيل والرجال تمعج في كل وجه وأنا مكتمن في الغار ، وضربت العنكبوت على الغار .

وأقبل رجل معه إداوته ونعله في يده وكنت خائفا . فوضع إداوته ونعله وجلس يبول قريبا من فم الغار ، ثم قال لأصحابه : ليس في الغار أحد ، فانصرفوا راجعين ، وخرجت إلى الإداوة فشربت ما فيها وأخذت النعلين فلبستهما . فكنت أسير الليل وأكمن النهار حتى جئت المدينة .

فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فلما رآني قال : «أفلح الوجه» . فقلت : وأفلح وجهك يا رسول الله» . فوضعت الرأس بين يديه وأخبرته خبري ، فدفع إلي عصا وقال : «تخصر بها في الجنة؛ فإن المتخصرين في الجنة قليل» .

فكانت العصا عند عبد الله بن أنيس حتى إذا حضرته الوفاة أوصى أهله أن يدرجوا العصا في أكفانه . ففعلوا ذلك .
قال ابن عقبة : فيزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بقتل عبد الله بن أنيس ، سفيان بن خالد ، قبل قدوم عبد الله بن أنيس رضي الله تعالى عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية