سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثالث والأربعون في سرية غالب بن عبد الله رضي الله تعالى عنه إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد في صفر سنة ثمان .

قال محمد بن عمر ، وابن إسحاق في رواية يونس ومحمد بن سلمة رحمهم الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ما حصل لبشير بن سعد وأصحابه هيأ الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه وقال له : «سر حتى تنتهي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد فإن أظفرك الله بهم فلا تبق فيهم» وهيأ معه مائتي رجل وعقد له لواء .

فقدم غالب بن عبد الله الليثي من الكديد قد ظفره الله عليهم .

فقال صلى الله عليه وسلم للزبير : «اجلس» .

وبعث غالب بن عبد الله في مائتي رجل فيهم أسامة بن زيد ، وعلبة بن زيد الحارثي وأبو مسعود عقبة بن عمرو ، وكعب بن عجرة ، فلما دنا غالب منهم بعث الطلائع .

فبعث علبة بن زيد في عشرة ينظرون إلى محالهم ، فأوفى على جماعة منهم ثم رجع إلى غالب فأخبره الخبر . فأقبل غالب يسير حتى إذا كان منهم بنظر العين ليلا وقد عطنوا وهدأوا قام غالب فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : «أما بعد ، فإني أوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له وإن تطيعوني ولا تعصوني ولا تخالفوا لي أمرا؛ فإنه لا رأي لمن لا يطاع» .

ثم ألف بينهم فقال : «يا فلان أنت وفلان ، يا فلان أنت وفلان لا يفارق رجل منكم زميله ، وإياكم أن يرجع إلى رجل منكم ، فأقول : أين صاحبك ؟ فيقول : لا أدري فإذا كبرت فكبروا وجردوا السيوف . فلما أحاطوا بالحاضر كبر غالب فكبروا وجردوا السيوف ، فخرج الرجال فقاتلوا ساعة ووضع المسلمون فيهم السيف حيث شاءوا . وروى ابن سعد عن إبراهيم بن حويصة بن مسعود عن أبيه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية مع غالب بن عبد الله إلى بني مرة ، فأغرنا عليهم مع الصبح وقد أوعز إلينا أميرنا ألا نفترق وواخى بيننا ، فقال : لا تعصوني فإني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني» ، وإنكم متى ما عصيتموني فإنما تعصون نبيكم . قال : فآخى بيني وبين أبي سعيد الخدري . قال : فأصبنا القوم وكان شعارهم أمت أمت .

قال محمد بن عمر : وفي هذه السرية خرج أسامة بن زيد في إثر رجل منهم ، يقال له نهيك بن مرداس أو مرداس بن نهيك وهو الصواب ، فأبعد وقوي المسلمون على الحاضر وقتلوا من قتلوا ، واستاقوا نعما وشاء . وذكر ابن سعد ذلك في سرية غالب إلى الميفعة . وتفقد [ ص: 141 ] غالب أسامة بن زيد ، فجاء أسامة بعد ساعة من الليل فلامه الأمير لائمة شديدة وقال : ألم تر إلى ما عهدت إليك ؟ فقال : خرجت في إثر رجل منهم يقال له نهيك جعل يتهكم بي حتى إذا دنوت منه قال : «لا إله إلا الله» . فقال الأمير : «أأغمدت سيفك» ؟ فقال : «لا والله ما فعلت حتى أوردته شعوب» . فقال : بئس ما فعلت وما جئت به! تقتل امرءا يقول لا إله إلا الله ؟ ! فندم أسامة وسقط في يده ، وساق المسلمون النعم والشاء والذرية ، وكانت سهمانهم عشرة أبعرة لكل رجل أو عدلها من الغنم ، وكانوا يحسبون الجزور بعشرة من الغنم .

التالي السابق


الخدمات العلمية