سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب السابع والستون في بعثه صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنهما لهدم الطاغية .

روى البيهقي عن عروة ، ومحمد بن عمر عن شيوخه ، وابن إسحاق عن رجاله ، قالوا : إن عبد ياليل بن عمرو ، وعمرو بن أمية أحد بني علاج الثقفيان لما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وفد ثقيف وأسلموا قالوا : أرأيت الربة ماذا نصنع فيها ؟ قال : اهدموها . قالوا : هيهات لو تعلم الربة أنا أوضعنا في هدمها قتلت أهلنا . قال عمر بن الخطاب : ويحك يا عبد ياليل ما أجمعك إنما الربة حجر لا تدري من عبده ممن لم يعبده . قال عبد ياليل : إنا لم نأتك يا عمر . وقالوا : يا رسول الله اتركها ثلاث سنين لا تهدمها . فأبى . فقالوا : سنتين فأبى فقالوا سنة . فأبى . فقالوا شهرا واحدا . فأبى أن يوقت لهم وقتا ، وإنما يريدون ترك الربة خوفا من سفهائهم والنساء والصبيان ، وكرهوا أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام . وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعفيهم من هدمها . وقالوا : يا رسول الله اترك أنت هدمها فإنا لا نهدمها أبدا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنا أبعث أبا سفيان بن حرب ، والمغيرة بن شعبة يهدمانها» .

فذكروا الحديث . فقال الوفد وأخبروا قومهم خبرهم وخبر الربة .

فقال شيخ من ثقيف قد بقي في قلبه شرك بعد : فذاك والله مصداق ما بيننا وبينه ، فإن قدر على هدمها فهو محق ونحن مبطلون ، وإن امتنعت ففي النفس من هذا بعد شيء . فقال عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه : «منتك والله نفسك الباطل وغرتك الغرور الربة ، والله ما تدري من عبدها ومن لم يعبدها» . وخرج أبو سفيان بن حرب ، والمغيرة بن شعبة وأصحابهما لهدم الربة . فلما دنوا من الطائف قال المغيرة لأبي سفيان : تقدم أنت على قومك . وأقام أبو سفيان بماله بذي الهرم ، ودخل المغيرة في بضعة عشر رجلا يهدمون الربة . فلما نزلوها عشاء باتوا ثم غدوا على الربة يهدمونها .

فقال المغيرة لأصحابه الذين قدموا معه : «لأضحكنكم اليوم من ثقيف» . فاستكفت ثقيف كلها : الرجال والنساء والصبيان حتى خرج العواتق من الحجال حزنا يبكين على الطاغية ، لا يرى عامة ثقيف أنها معدومة ويظنون أنها ممتنعة . فقام المغيرة بن شعبة واستوى على رأس الدابة ومعه المعول ، وقام معه بنو معتب دريئة بالسلاح مخافة أن يصاب كما فعل عمه عروة بن مسعود . وجاء أبو سفيان وصمم على ذلك فأخذ الكرزين وضرب المغيرة [ ص: 227 ] بالكرزين ثم سقط مغشيا عليه يركض برجليه فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة وقالوا : أسعد الله المغيرة قد قتلتم الربة . زعمتم أن الربة لا تمتنع بل والله لتمنعن ، وفرحوا حين رأوه ساقطا ، وقالوا : من شاء منكم فليقترب وليجتهد على هدمها فو الله لا يستطاع أبدا . فوثب المغيرة بن شعبة وقال : قبحكم الله يا معشر ثقيف إنما هي لكاع ، حجارة ومدر ، فاقبلوا عافية الله تعالى ولا تعبدوها ثم إنه ضرب الباب فكسره ثم سورها وعلا الرجال معه فما زالوا يهدمونها حجرا حجرا حتى سووها بالأرض ، وجعل السادن يقول : ليغضبن الأساس فليخسفن بهم .

فلما سمع بذلك المغيرة حفر أساسها فخربه حتى أخرجوا ترابها وانتزعوا حليتها وكسوتها وما فيها من طيب وذهب وفضة وثيابها . فبهتت ثقيف فقالت عجوز منهم : أسلمها الرضاع لم يحسنوا المصاع . وأقبل أبو سفيان والمغيرة وأصحابهما حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليها وكسوتها وأخبروه خبرهم ، فحمد الله تعالى على نصر نبيه وإعزاز دينه ، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم مال الطاغية من يومه

وسأل أبو المليح بن عروة بن [مسعود بن معتب الثقفي] رسول الله صلى الله عليه وسلم أن [يقضي] عن أبيه عروة دينا كان عليه من مال الطاغية . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نعم» . فقال له قارب بن الأسود ، وعن الأسود يا رسول الله فاقضه ، وعروة والأسود أخوان لأب وأم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الأسود مات مشركا» . فقال قارب : يا رسول الله لكن تصل مسلما ذا قرابة ، يعني نفسه ، إنما الدين علي وإنما أنا الذي أطلب به . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان أن يقضي دين عروة والأسود من مال الطاغية .


التالي السابق


الخدمات العلمية